-A +A
عبدالرحمن اللاحم
تأخذ معظم الأنظمة الجنائية في العالم مبدأ التقادم، وهي الفترة الزمنية التي يحددها القانون يسقط بعدها الحق في رفع دعوى جنائية أمام المحاكم القضائية، والهدف من الأخذ بهذا المبدأ القانوني هو استقرار المراكز القانونية للناس، لأن الجرائم الجنائية أو الجنح تقوم على وقائع وتعتمد على أدلة وبينات يصعب الاحتفاظ بها مدة زمنية غير محددة، وأيضا المتهمون في تلك الجرائم مهددون في أي لحظة بملاحقتهم، مما يؤدي إلى عدم استقرار مراكزهم القانونية بشكل واضح ويستثنى عادة الجرائم المتعلقة بحقوق الإنسان، فهي لا يمكن أن تسقط بالتقادم بأي شكل من الأشكال، وكذلك الجرائم المتعلقة بغسيل الأموال أو الاتجار بالبشر، وأنا هنا لست بصدد الحديث عن التقادم في الأنظمة الجنائية في المملكة ومدى تطبيقها في كافة الجرائم أو الجنح المُقننة وغير المُقننة، وإنما سأتحدث بشكل مفصل عن نظام التقادم في نظام المطبوعات والنشر بشكل محدد، فمن المعلوم أنه لا توجد مادة تؤكد على مبدأ التقادم وتطبيقه في النظام الذي يحكم النشر في المملكة العربية السعودية، بل قانونيا يجوز تحريك دعوى على شخص أو مؤسسة بغض النظر عن تاريخ المخالفة، مما سبب الكثير من الإشكاليات والارتباك في عمل وأداء تلك المؤسسات، حيث إن اللجان المتخصصة في الفصل في القضايا المتعلقة بالنشر الصحفي والإعلامي تستقبل الدعاوى في بعض القضايا في وقائع حصلت منذ سنوات عديدة، ومن المعروف أن الخبر الصحفي أو الرأي يعتمد بشكل أساسي على مواد صحفية أو تسجيلات يتم إتلافها بعد فترة قصيرة من نشر الخبر ولا يتصور أن تحتفظ الصحف بالوثائق التي تؤكد الأخبار المنشورة أو التحقيقات الصحفية أو المعلومات التي يعتمد عليها كتاب الرأي لمدة طويلة تحسبا لرفع دعاوى عليها في المستقبل، ولو فعلت ذلك لاحتاجت لمساحات وأرشيف ضخم لا يتلاءم وطبيعة العمل الإعلامي القائم على اللحظة والسبق الصحفي.

لذا تأتي أهمية وضرورة تعديل نظام المطبوعات والنشر بحيث توضع مدة زمنية يسقط بعدها الحق في رفع دعوى على كاتب أو صحفي أو رئيس تحرير ولتكن لمدة ستة أشهر على أطول تقدير من وقت نشر المادة محل الدعوى ومن ترك حقه في التقاضي طوال هذه المدة فهو المفرط ويفترض ألا يحمي النظام تفريطه وتسويفه في اقتضاء حقه إن كان له حق


ووضع هذه المدة سيؤدي إلى استقرار المراكز القانونية للصحف السعودية وعدم تفاجئها بعد سنوات معينة بقضايا أو دعاوى تقام ضدها أو ضد صحفيين بعضهم قد ترك العمل أو على رؤساء تحرير انتقلوا من صحيفة إلى أخرى وتلاشت المواد الصحفية التي تدعم شرعية نشرهم لتلك المواد، لأن هدف التشريعات هو حماية لحقوق الناس وفي ذات الوقت حماية استقرار العمل الإعلامي الذي يشكل السلطة الرابعة في أي دولة في هذا العالم.