-A +A
بشرى فيصل السباعي
الحكمة القائلة «المهم هو النوع وليس الكم» هي حكمة ليست مخفية ولا منسية فالكل يعرفها ويحفظها لكن كما كل المثاليات قلة من يطبقها بحق وحقيقة، وعندما نرى واقعا محتقنا كواقع العالم الإسلامي لم يطرأ على حال تأزمه العنيف والانفجاري منذ أكثر من نصف قرن أي تحسن ولا بصيص نور لأمل في آخر النفق رغم كل التطور النوعي لكل بقاع العالم فاللائمة الكبرى في هذا تقع على صناع سكة قطار الشعوب وهم صناع القالب الفكري الثقافي العام، وهؤلاء يؤثرون بالشعوب ليس بإصدار كتاب وأكثر كل عام وبالذات لتوقيعه في معارض الكتب ولا بأرقام المبيعات والجوائز، ولا بعدد الأتباع إنما بنوعية مضمون الكتب، وما إن كانت تمثل مشروعا ورؤية معاصرة فكرية ثقافية نفسية اجتماعية قيمية سلوكية متكاملة ومعمقة في صيغة كتاب أم لا، وكتب «قص ولصق» ليست من هذا النوع، وللأسف أن غالب مؤلفات العالم العربي في كل المجالات هي من نوع «قص ولصق» وحتى دور النشر تحذف وتكيف المحتوى بما يوافق اعتبارات التسويق، بالإضافة للتخوف من عدوانية الرأي العام المجيش، وأعجب منه أن الطبعات الأحدث لمؤلفات العصور الوسطى الإسلامية لعلماء المسلمين، مثل ابن كثير حذفت منها مقاطع هامة لتوافق الرؤية الطوباوية المثالية غير الحقيقية عن الماضي التاريخي! وبالطبع الإنترنت ساهم في رفع درجة ونوعية وعي الناس العاديين وجعلهم «متابعين» وليسوا «أتباع» والفارق هو استقلالية وعيهم، لكن لا يبدو أن هذه الطفرة في نوعية الوعي حصلت لمن يفترض أنهم يمثلون طبقة أهل التأليف بكل المجالات، لأن مطالعاتهم محدودة وقاصرة والعائد المادي للتأليف لا يساعد على التفرغ للإنتاج الثقافي وهذه معضلة كبرى، فالإنتاج الثقافي يتطلب مطالعات واسعة وفسحة من الأوقات والرفاه المادي، ولهذا لا يوجد كتاب قدم رؤية فكرية تجديدية معمقة ملهمة ومحمسة تمثل على الأقل منافسا للرؤية العدمية العبثية الغبية والتدميرية التي تطرحها أدبيات الجماعات الإرهابية التي حركت الذكور والإناث لقتل حتى آبائهم وأمهاتهم وتفجير مساجدهم وتدمير بلادهم بأيديهم، معتقدين بأن هذه هي الرؤية الفكرية التي ستخرج العالم الإسلامي من وضعه الحالي في قاع منحنى تقدم الأمم! وليس سبب استمرارها واستفحال فسادها هو أنه لم يقتل عدد كاف من أتباعها وزعاماتها، إنما لأنه لا توجد رؤية فكرية ملهمة بديلة تثير شغف الشباب المتحمس ليكون مؤثرا، لكنه لا يعرف كيف، ومستعد لاتباع أي أحد يزعم بأن لديه مشروعا فكريا يمثل سكة لمستقبل مثالي.