-A +A
مي خالد
قد تكون إحدى الصعوبات التي تواجه واضعي السردية التاريخية أن السعودية لم تتعرض للاستعمار، فلم يكن هناك حراك شعبي لمقاومة المحتل الأجنبي.

ومن الصعوبات أيضا أن معارك توحيد المملكة قامت بين الموحد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وبعض الأسر والقبائل التي ما زالت تستمد مجدها وافتخارها من انتمائها القبلي والمناطقي والجهوي في المقام الأول وليس من كونهم مواطنين سعوديين. ولعل أحد أسباب ذلك هو عدم الذوبان في هوية وطنية واحدة.


ثم مؤخرا ظهرت دعوة يقول أصحابها إن المد الصحوي لمناطقهم حرمهم من الانفتاح والتحرر الذي كانوا يعيشونه قبل المد الصحوي السعودي. وهذه دعوة في غاية الخطورة وما زالت في طور التشكل، ومع ذلك لا نجد من يتصدى لها أو يفندها من المهتمين والمؤرخين. حيث يزعم أصحابها وهم ذوو شعبية كبيرة عبر تويتر والفيس بوك أن مناطقهم كانت جنانا طوباوية وكانت المرأة تخرج للعمل في المزارع والحقول، دون أن يعوا أن المرأة لم تكن تتلقى أجرا على عملها كأجير وغيابها في الرعي والحقول لأيام عن البيت. هم يرون ذلك تحررا قيدته الصحوة وليس ظهور النفط هو من أغناهم عن عمل المرأة.

ظهور النفط بالمناسبة هو أحد أهم السرديات التي توحد السعوديين في حكاية واحدة. هو الحكاية التي يرويها الوطن، وهي من حيث الأهمية تضارع طرد المحتل في العديد من الدول، لكن لا أحد يتحدث عن اكتشاف النفط بوصفه حادثا سعيدا أو نعمة كبرى، بل دائما يسخر منه ويحاربونه على اعتبار أنه سبب في الكسل الوطني وضعف الإنتاج الوظيفي وعدم تعدد اقتصادنا.

اليوم يشغل الحكاؤون وساردو التاريخ جزءا مهما من الميديا كالمذيع عيد اليحيى الذي هو مؤرخ هاو لكنه يجذب بسرده مجموعة كبيرة من الجمهور ويعتبرون ما يقدمه حقائق تاريخية على ما في برنامجه من هنات وغلطات. وأيضا عبر برنامج السناب شات نجد الكثير من المتابعين يتبادلون قصصا يرويها شباب سعوديون بلهجة محلية طريفة. هؤلاء يقومون الآن دون وعي منهم بوضع سردية تاريخية للسعودية. ولا بأس بعملهم لكن لا غنى عن دور المحقق والمؤرخ الأكاديمي، الذي يبدو أنه مشغول بالمناكفات والحروب الكلامية على صفحات الجرائد وفي المؤتمرات.