-A +A
علي حسن التواتي
أكتب هذه المقالة في أوج الجدل القائم بشأن المادة (77) من نظام العمل التي تتيح لصاحب العمل فصل الموظف وفق اشتراطات محددة يرى البعض أنها مجحفة ويرى آخرون غير ذلك. ولعل في التركيز على هذه الجزئية في ضوء الظروف الاقتصادية القائمة إجحاف بحق مؤسسات الأعمال. فالمسألة أكبر بكثير مما تبدو، ولا بد من النظر لها من منظور التغير والتحول الاقتصادي الذي يجري حاليا على كافة المستويات.

ويجب التسليم أولاً بأن العمل التجاري مهما كان حجمه أو مجاله يبقى «مغامرة» تخضع لكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وبالتالي فهو يخضع «للمخاطر» التي تعني بالنسبة لأي مؤسسة أعمال «إمكانية عدم تطابق النتائج المستقبلية مع النتائج المنشودة أو المخطط لها بالزيادة أو النقص».


فالنتائج الإيجابية التي تفوق المتوقع يجب ألا تلهي المسؤولين عن المؤسسة عن حقيقة وضعها وما إذا كانت هذه النتائج بسبب ظرف عابر أو التزام قابل للتقليص أو الإلغاء أو أية عوامل أخرى داخلية أو خارجية لم تكن محسوبة وقت التخطيط.

وكما هو الحال في المباريات الرياضية، حينما تفوق النتائج الإيجابية التوقعات يكتفي معظم المسؤولين عن المؤسسة بركوب الموجة ورسم ابتسامات الذكاء الغامضة مع التغني بالنجاح والعبقرية في التخطيط للنتائج التي لم تكن مفاجئة للإدارة العبقرية.

أما إذا كانت النتائج سلبية فإن المسألة تصبح أشد خطورة على المنظمة ما لم يوفق القائمون عليها لتفهم طبيعة المخاطر التي تواجهها ومصادرها. كما لا بد من التأكد مما إذا كانت مؤقتة ومرتبطة بدورات النشاط الاقتصادي أو أنها بسبب عوامل داخلية خاصة بمؤسسة دون غيرها.

وبصرف النظر عن دورات النشاط الاقتصادي ونوعية المخاطر، لا بد للمسؤولين عن أي مؤسسة الإيمان بالحقيقة الأزلية التي سجلها التاريخ للفيلسوف اليوناني القديم (هيراقلطيس) وهي أن «الشيء الوحيد الثابت في الحياة هو التغيير».

ولقد حاول العديد من المحللين تفسير التغيير الذي تمر به مؤسسات الأعمال من خلال نماذج ونظريات عديدة من أهمها نموذج «المراحل الأربع للتغيير» التي لا بد من تبينها جيدا والاستجابة لمتطلباتها بشكل مباشر من غير تلكؤ أو محاولة للالتفاف أو الإنكار الذي يقود إلى مزيد من التدهور أو هدر للموارد بإطالة المرحلة التي كان يجب تجاوزها بشكل أسرع. ووفقا لهذا النموذج فإن أي مؤسسة أعمال صغيرة كانت أو كبيرة تمر بأربع مراحل هي: الوفرة، إعادة الهيكلة، تنظيم الإيرادات، وتعزيز الإيرادات. وهذه المراحل قد تأتي بالتتابع أو بالتداخل أو بالتوازي وذلك بحسب تبينها وسرعة الاستجابة لها.

وتوصف المرحلة الأولى (الوفرة) بأنها «الزمن الجميل» نظرا لارتفاع الهوامش الربحية نتيجة لقلة المنافسة والحصة السوقية الكبيرة التي تمكن المؤسسة من الإنفاق بسخاء والمجاملة في التوظيف والتساهل في زيادة تكاليف التشغيل وشراء المواد من موردين بعينهم دون سواهم من باب التعود أو التنفيع.

أما المرحلة الثانية «إعادة الهيكلة» فتأتي بعد تزايد المنافسين وانخفاض الهوامش الربحية وتشمل إعادة هيكلة التكاليف وتخفيضها وتقليص الحجم. وكلها مفردات لا تحظى بشعبية بين العاملين لأنها تعني في ما تعني إغلاق بعض الفروع والوحدات الهامشية والتخلص من العمالة التي لم يعد بالإمكان توظيفها، وتخفيض البدلات والمزايا وربما المرتبات لمن يتم الإبقاء عليهم. وعادة ما يعين مدير تنفيذي جديد لإعادة الهيكلة لأن مديري الوفرة يعجزون غالبا عن القيام بمثل هذه العمليات الجراحية المؤلمة لاعتبارات كثيرة معروفة.

ولكن إعادة الهيكلة مع كل ما يرافقها من آلام وضغوط لا تكفي وحدها للنجاة لأن لها محددات لا يجب تجاوزها كي لا تتسرب الكفاءات من المؤسسة وتزداد أوضاعها سوءا، ولذلك يجب أن تتعرف الإدارة على الحدود التي يجب التوقف عندها وتنتقل للمرحلة الثالثة «تنظيم الإيرادات» التي يتم التركيز فيها على إدارة الإيرادات بالمفاضلة بين النشاطات الإنتاجية واختيار أعلاها ربحية وقابلية للاستمرار.

وباستكمال متطلبات المرحلة الثالثة تصبح المؤسسة قادرة على الدخول في المرحلة الرابعة «تعزيز الإيرادات» وذلك بالتركيز على الحصول على حصة سوقية أكبر سواء بإضافة نشاطات أو خدمات جديدة مربحة والانتشار على نطاق جغرافي أوسع أو استهداف لشرائح دخلية مختلفة.

وهكذا نرى أن معظم مؤسسات الأعمال السعودية تمر الآن بـ«المرحلة الثانية المؤلمة» التي تتطلب تضافر الجهود الحكومية والخاصة لتجاوزها، مع التنبه إلى أن ما ينادي به البعض من الإصرار على الإبقاء على توظيف السعوديين في القطاع الخاص بقوة الدولة والأوامر الوزارية والتهديد بالعقوبات لن يكون مجديا، لأن المسألة بالنسبة لمؤسسات الأعمال تتخطى التوظيف إلى النجاة. وبالتالي فلا بد من البحث عن حلول إبداعية مشتركة للتعامل مع هذه المسألة بدلاً من إنكارها أو إجبار المؤسسات على تحمل وطأتها ودفعها للإفلاس.