-A +A
بندر السالم
دائما ما تكون مخاطبة العاطفة ودغدغة المشاعر أسرع تأثيراً في تشكيل قناعات الناس وتوجيه الرأي العام، رغم أن تلك القناعات غالباً ما تزول بنفس السرعة التي تشكّلت بها، لأنها تتنافى مع العقل والمنطق، لذلك تسعى شركات الإعلان لمخاطبة العواطف عند تسويق المنتجات والخدمات، وكثيراً ما تنتشر هذه المنتجات رغم رداءتها وذلك بسبب الهالة الإعلامية التي تصوّرها بشكل جذّاب، وكذلك الحال بالنسبة للساسة فنجدهم يسوّقون برامجهم الانتخابية عبر دغدغة عواطف الجماهير والوعود المعسولة بتلبية رغباتهم وتجد الجماهير تتسابق لترشيحهم، والهتاف لهم رغم يقين الغالبية بعدم مصداقية هذه الوعود ولكنها العاطفة عندما تطغى على العقل، كما أن أصحاب الأفكار الضالة لا يروّجون أفكارهم إلا من خلال دغدغة العواطف واستغلال المآسي.

وهذا ما حدا ببعض الكتّاب والباحثين عن الشهرة لاستغلال كل قرار أو حدث من أجل ركوب موجة أصوات الجماهير للوصول للشهرة وكسب المتابعين، فنجد الصحف تمتلئ بالمقالات التي يرغب المتابعون قراءتها وليس المقالات التي يجب أن يقرأوها والتي تشرح الواقع بالعقل والمنطق، كما نجد اللقاءات التلفزيونية مجرد كلام إنشائي خال من الحقائق والتحليلات المنطقية، وليست وسائل التواصل الاجتماعي بأفضل حالاً من غيرها، بل إنها أصبحت بيئة خصبة للراغبين في التلاعب بعواطف الآخرين.


وسأضرب مثلاً بموضوع رؤية المملكة ٢٠٣٠، فإذا استثنينا المطبّلين الذين يمجّدون لمجرد التمجيد أو من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية فإن أكثر المعترضين والمنتقدين لهذه الرؤية تجدهم استغلّوا تذمّر البعض من إلغاء البدلات وزيادة أسعار بعض الخدمات، وسبحوا مع تيار المتشائمين، وانتقدوها بأسلوب عامّي يفتقد لأبسط أدوات النقد العلمي، المبني على الخبرة الاقتصادية والاجتماعية، مع أنه من المفترض بهم أن يفنّدوها بشكل علمي وفق القواعد التحليلية، حسب ما تقتضيه الأمانة العلمية والعملية، لذلك تجد الكثير من الهاشتاقات التي تعلن بأن فلانا من الناس يمثّلني وعند الرجوع لكلامه تجده كلاما عاطفيا لا يغني ولا يسمن من جوع، وعلى العكس تجد بأن من يتحدث بصوت العقل غير مرغوب ومحارب، وحتى لا أكون من المطبّلين ولا من المتشائمين فأنا من المتفائلين بنجاح الرؤية، وذلك لحسن ظنّي بالله أولاً، ولثقتي بالمسؤول الأول عنها ثانياً، وأخيراً لقناعتي التامة بأن المجتمع يحتاج إلى هزة اقتصادية يواكبها تطوير لسياسة التعليم لتعيد صياغة ثقافته وتحوّلها من ثقافة استهلاكية إلى ثقافة إنتاجية.

balotaibi@hotmail.com