-A +A
مي خالد
أوشك التلفزيون أن يدخل متحف العالم مع الكاسيت والفيديو والغرامافون «البكم» والأتاري وغيرها من الأجهزة التي انتهى وقتها وبدأ زمان غيرها.

لدي تلفزيون في البيت لكني استعمله كشاشة للإنترنت. وكثير من الناس يستعملونه كما استعمله شاشة لمشاهدة وسائل التواصل الاجتماعي أو شاشة لممارسة ألعاب عبر الإنترنت أو شاشة للكتابة بعد تحويل الجوال إلى كيبورد أو متابعة الفيديو عبر موقع اليوتيوب.


ورغم الهجاء الكبير الذي تعرض له التلفزيون طوال تاريخه منذ كان يعرض الصور بالأبيض والأسود وحتى تحوله لشاشة مسطحة رفيعة لا تشغل حيزا يذكر من الغرف بمواصفات صفاء مدهشة للصور. هجاه التربويون وأهل الثقافة بوصفه ناشرا للسخافة وشاغلا عن المعرفة والقراءة وناشرا للفن الهابط، وهجاه أطباء العيون واتهموه بالتسبب في ضعف النظر. بالرغم أن هذا لم يثبت علميا. فلا الجلوس قريبا من شاشة التلفزيون يسبب ضعف النظر لأطفالكم ولا الجلوس بعيدا عنها يحميهم ويقيهم من لبس النظارات.

هناك صراع أجيال بين الأجهزة والأدوات كما أن هناك صراع أجيال بين البشر.

مرة بينما كان علماء الآثار ينقبون في مقبرة فرعونية وجدوا مسلّة فرعونية مدونا عليها شكوى من مواطن مصري مفادها: الجيل الجديد من شبابنا تافه وجاهل...إلخ

هذا الصراع الشديد بين الأجيال يكاد لا يتغير عبر الزمن. كل جيل يتذمر من الجيل الذي يصغره ويتهمه بالتقصير والجهل. على اعتبار أن الجيل الأقدم أكثر حكمة ومعرفة. وهذا الكلام غير صحيح. فالتاريخ تراكمي وليس وحدة فردية؛ لذا حين ننظر للتاريخ نجد أن الجيل الحالي هو الجيل الأقدم من عمر الزمن. وهو أذكى جيل على مر العصور، فهم يعرفون أكثر مما يعرف سابقوهم. والفضل لاختراعاتهم وأجهزتهم ولظهور التخصصات الدقيقة في كافة العلوم.

على سبيل المثال في خمسينات وستينات القرن الماضي كانت نسبة الأمية في العالم العربي تفوق 90% وحتى المتعلمون والنخب الفكرية ليسوا على اطلاع كافٍ بكثير من العلوم. بينما اليوم بفضل التلفزيون وغيره من الوسائل تجد الجدة الأمية تقص على أحفادها قصة الصحابي خباب بن الأرت. وهو ما لم يكن بمقدور الناس قبل مئة عام حين سماعهم للاسم معرفة كونه صحابيا أو شاعرا أو غير ذلك. وهذا طبعا بفضل التلفزيون.

هذا المقال عن فضائل التلفزيون من قبيل حديث: اذكروا محاسن موتاكم. إنه إعلان نعي. انتهى زمان التلفزيون وبدأ زمان جديد بأجهزة جديدة. انتهى زمن البرامج الموحدة لكل العائلة على اختلاف أذواقهم ومشاربهم وبدأ زمان الذوق الفردي والتعددية.