-A +A
إدريس الدريس
كان لا بد أن تتخلص من بعض عاداتك السيئة عندما تكتشف انعكاساتها السلبية عليك وسيكون حديث التارك الممارس لهذه العادات السيئة أكثر وقعاً وأرجح صدقاً من حديث الواعظ أو الشيخ أو المربي عندما يتحدث لمجرد أنه واعظ أو شيخ أو مرب لكنه حقيقة لم يجرب ولم يستشعر قيمة ما يتحدث عنه.

لا يكفي كل ذلك الوعظ أو النهر الأبوي ليكون لحديثك عن سلبيات التدخين أو المسكرات أو الحشيش وقعه وأثره لأنك لم تجرب سلطنة المسكر وتجليات الحشيش وتنفيسات السجائر لكن المتعاطي أو المتورط بواحدة من هذه العادات هو الكفيل بشرح انعكاسات السجائر الصحية على رئته ثم على رائحة فمه وملابسه ومردودها السلبي على لياقته وفحيحه عند بذل الجهد الطبيعي، هذا إلى جانب تكلفته المالية والحال كذلك مع المسكر ومردوده الصحي على الكبد وبقية أعضاء الجسم خلافاً للـ Hangover والصداع والمزاج الذي يتصرف خارج الطبيعة المعتادة، أما الحشيش فحالة مؤكدة من الإدمان والذهول والشرود الذهني ثم النسيان ليصبح المدمن من بعد سهل الانقياد والتطويع بحسب الحاجة، أما مشروبات الطاقة فهي المخادع الكبير، حيث تمنحك طاقة فوق احتياجك الحقيقي لكنها تحيلك إلى غرفة النوم لفترة طويلة خارج منطق الاعتياد، وقد يعمد بعض شاربي علب الطاقة إلى زيادة الكمية بما يكون له مردوده السلبي الخطير على الصحة الشخصية.


لماذا أقول ذلك الآن؟ أقوله لأنني كنت تورطت في تدخين السجائر حيناً من الدهر وما كنت أحسبني أتركها ولا ظننت أنني قادر على حلحلة حبالها لكنني بشيء من الرغبة والإصرار والمجالدة قد تخلصت منها إلى الأبد، ولله الحمد، ثم اكتشفت لاحقاً نعمة تركها والمكاسب الشخصية التي تحققت لصحتي ولمظهري الشخصي وقبل ذلك اجتناب إثمها الديني حتى أنني صرت أتضايق حقيقة من رائحة السجائر في حالة وجود من يدخن إلى جواري، والغريب الطريف في مجتمعنا أن البعض يستكثر عليك إقلاعك عن بعض عاداتك السيئة ولا يريدك أن تتذمر أو تتشكى من رائحتها أو آثارها السيئة لمدخن سلبي، حدث معي هذا لمن كانوا يعرفونني كمدخن سابق، وهكذا عندما صرت أشتكي من كثرة التدخين في مجلس أو استراحة فإن بعضهم ينهرني على الفور ساخراً بقوله: «الله أكبر. وش ذا الطويرات بداركم؟»، وهذا المثل النجدي يروى عمن يترفع أو يتكبر أو يتغير عن سابق عهده، وهذا المثل يذكر عن أحد الأشخاص قبل عقود وكان قد عاد من مصر إلى قريته الصغيرة وفي حوش بيتهم الطيني رأى الدجاج فكأنه نسيها أو ادعى نسيان اسمها فقال «وش ذا الطويرات (جمع طيور) بداركم» فذهبت مثلاً.

وأخيراً فإن ما دفعني لتحرير هذه المقالة هو التوجه المنتظر لتطبيق ضريبة السلع الانتقائية على التبغ ومشروبات الطاقة والمشروبات الغازية، وهو القرار الإيجابي والحكيم الذي نرجو أن تكون له انعكاساته الفاعلة للحد والتقليل من استهلاك هذه السلع الضارة، وبالتالي تقليص معدل الخطورة الكامن في كثرة استخدامها، ثم ضبط منافذ بيعها للأطفال أو لمن هم دون سن محددة من الوعي والإدراك، مع الأمل أن تتبع هذه الضريبة حملة توعوية وتثقيفية في المدارس والمنابر وغيرهما من الوسائط.