-A +A
إدريس الدريس
سبق لي في مقال سابق أن سميت بشار الأسد رئيس النظام السوري بـ«نشار الجسد» وذلك نسبة لما يصنعه في الشعب السوري من قتل وهتك وتدمير للحجر والبشر وللقاعد والقائم والكبير والصغير والذكر والأنثى والمدني والعسكري لا يفرق في مظلمته بين مختلفين، ويعدل في إجرامه بين كل شيء حي، فهدفه الموات والسحق والدمار والبقاء على الكرسي رغماً عن كل شيء.

وقد أعانه في ذلك كل أعداء الإنسانية وجبابرة العالم ابتداء من تخاذل أمريكا/ أوباما وانتهاء بتسلط بوتين وزمرته مروراً بتغول إيران عبر وكيلها في المنطقة وذراعها الإرهابية «حزب الله» والتي أسهم تدخلها بالتمويل المتدفق بشريا وعسكريا في إطالة أمد الحرب، وكان يمكن لنظام الأسد الفاشي في لحظات فارقة من زمن الحرب أن يسقط، لكن التدخل الواضح والفاضح لروسيا بوتين قد مكن للنظام السوري أن يمد يد البطش في كل الأنحاء بمعونة لوجستية من الطائرات الروسية وصواريخها التي تنطلق من منصاتها التي أقامتها في إيران.


يحدث كل هذا الإجرام وكل صنوف الانتهاك البشري لحقوق الإنسان وكل التمييز العرقي الإثني في حلب وغيرها وفي الموصل وما حولها علانية من هذا العالم المتحضر الذي يختبئ خلف شعار مزيف وادعاء أجوف لحقوق الإنسان فيما هو يمارس في وضح النهار ودون حياء كل أنواع العقوق لهذا الإنسان المسكين في العالم الثالث وفي الشرق الأوسط، لكن دول العالم المستضعفة لا تملك حقيقة صنع أي شيء سوى التظاهر بالاعتراض والشجب والتنديد لأن الدول الخمس الكبرى هم من (المصطفين الأخيار) الذين يحق لهم دون سواهم رفع نظام «العبودية» وإشهاره في حق كل المعترضين من خلال نظام الفيتو الذي يمنح هذه الدول حصانة تجعل كل بقية دول العالم راضخة لسطوة مزاجها وتقلبات مصالحها على النحو الذي أتاح لهذه الدول الكبرى دائماً التسلط على كثير من مظالم الدول الصغرى التي لا تنعم بهذا الفيتو الظالم اللعين والذي هو إحدى تركات الاستعمار الذي شرع للقوي ضرب الضعيف كما وطن للكبير ظلم الصغير.

إن ما يحدث في حلب من مجازر يندى لها جبين الإنسانية لجدير بأن يعزز للأسف من إشعال فتن الطائفية في المنطقة أكثر مما هي عليه الآن، وليقسم المنطقة وأهلها إلى فسطاطين مذهبيين يتنازعان النفوذ عبر تبادل النزاعات والخصومة. كما أن هذه الحروب والنزاعات ستخلف في حلب وما حولها والموصل وغيرها دمامل وجروحا لا تندمل في نفوس أهالي الضحايا الذين هدمت بيوتهم على رؤوسهم والذين هجروا وشردوا وهاموا في أرض الله يستجدون اللجوء الذي قد صار هبة ومنة من بعض الدول وتضجراً وكراهية ورفضاً من بعضها الآخر، وسيعزز ما يصنعه بوتين حاليا ومن قبله أوباما من حالة التطرف في العالم وستشتعل الثارات في نفوس كل الحرقى الذين يرون ما يحدث على أرض الواقع عبر شاشات التلفزيون أو عبر منصات التواصل الحديثة.

كنت أقرأ في بعض كتب المذكرات ومدونات التاريخ والسير الذاتية عما قد حدث من مهالك في حروب هولاكو وجنكيز خان وهتلر وستالين وغيرهم من جبابرة التاريخ وكنت حينها أظن وأنا شبه موقن أن ثمة تزيدا ومبالغة يحبكها المدونون من المنتصرين ثناءً أو المنهزمين شكاية ومظلمة، لكنني أدركت بعد أن شاهدت ما حدث في غروزني وما حدث في بغداد ومن بعدها الموصل وما حدث ويحدث في حلب وغيرها من المدن السورية أنه يمكن للبشر أن يتحيونوا بأكثر من حيونة السباع والحيوانات الكاسرة في حالة تجردهم من روادع القانون والدين والأخلاق والضمير الإنساني اليقظ، بل إن غلاة المجرمين من البشر يفوقون الحيوانات التي يحكمها قانون الغابة حيث يسود صراع الأقوى على الأضعف. لكن الله غالب على أمره ولو كره المجرمون، وسيحدث الله بعد ذلك أمرا.