-A +A
سعيد اليزيدي الحارثي
لم أجد تاريخا محددا لبداية انطلاق برامج الدراسات العليا في جامعات المملكة، ولكن أعتقد أنها بدأت قي أوائل السبعينات الميلادية في التخصصات الشرعية واللغة العربية والتخصصات التربوية، وبعد ذلك بدأت في التخصصات الإدارية والتطبيقية في مجالاتها المتعددة في الثمانينات بفضل الابتعاث الخارجي وحصول عدد كبير منهم على شهادة الدكتوراه من أرقى الجامعات الأمريكية والبريطانية ودول أخرى عربية وأوروبية. في الوقت الراهن، مؤسسات التعليم العالي في المملكة من جامعات وكليات حكومية وأهلية تقدم 129 برنامجا في الدبلوم العالي، و852 برنامج ماجستير، و297 برنامجا للدكتوراه، و102 برنامج في الزملات الطبية (دليل التخصصات، وكالة وزارة التعليم العالي للتخطيط والمعلومات، 1435هـ).

هذه الأعداد الهائلة من البرامج المقدمة من مؤسسات التعليم العالي تجعلنا نقف كثيراً أمام العديد من الأسئلة المشروعة لكل مهتم بشؤون مخرجات التعليم العالي، وحتى من يفكر أن يكمل دراساته العليا في الجامعات السعودية وفي إحدى هذه البرامج القائمة، منها وهو الأساس لماذا قامت الدولة مشكورة بابتعاث أكثر من ربع مليون مواطن ومواطنة خلال السنوات العشر الماضية إلى معظم دول العالم وفي جميع التخصصات؟ وماذا قدمت لنا مخرجات الدراسات العليا في جامعاتنا السعودية في ما يقارب الثلاثين عاما الماضية؟


في الفترة الماضية، كان التوجه إلى تخريج أكبر عدد من الخريجين وذلك لسد الاحتياج، وهي من وجهة نظري خطوة إيجابية قامت بها المملكة، ولكن حان الوقت لهذه الآلية أن تتغير خلال الفترة القادمة؛ لأننا الآن في حاجة إلى الكيف والجودة وليس الكم والعدد، في الماضي كانت هذه البرامج القائمة دورها يقتصر في منح الشهادة فقط ويتوقف دورها تماما بعد ذلك، ولكن لا بد الآن أن يكون كل برنامج يقوم الدارس بالانضمام إليه تذكر مبررات جدوى البحث ومنفعته المجتمعية بالتطبيق لا بالسرد النظري وضعف الموضوع. نحن الآن في أمس الحاجة لكي تكون مخرجات التعليم العالي تمتاز بالجودة العالية، وهذا لن يتحقق إلا بتجديد جذري في لوائح وأنظمة الدراسات العليا والبحث العلمي في الجامعات السعودية، هذه اللوائح التي لا تتناسب مطلقاً مع متطلبات عضو هيئة التدريس السعودي للحصول على الجودة المطلوبة لطالب الماجستير والدكتوراه. لو كانت هناك دراسات مختصة على قياس مدى عزوف عدد كبير من أعضاء هيئة التدريس السعوديين في الإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه لوجدنا نتيجة مقلقة جداً والسبب في اللوائح والأنظمة القائمة، فمن يقوم على الإشراف على المنتمين لما يقارب 1100 برنامج ماجستير ودكتوراه وعددهم يصل إلى 5000 طالب وطالبة على أقل تقدير. أترك الإجابة لكم؟

الدراسات العليا في أي دولة هي الأرضية الحقيقية والصلبة التي تعتمد عليها في جميع مجالاتها التطويرية بدون استثناء، دورها هو الارتقاء بالخدمة المقدمة وكذلك الإبداع والابتكار. منها يتم تأسيس المدارس البحثية المتخصصة ومنها تخرج التوصيات العلمية ومنها يستمر العطاء والنتاج العلمي ولا تقف عند شخص بعينه.. فمجرد تركه المكان.. ينهار كل شيء ونبدأ من الصفر.

للحديث بقية..

* أكاديمي سعودي