-A +A
خلف الحربي
على طريق السفر المحفوف بالمخاطر بين بيروت ودمشق ثمة نقاط تفتيش بعضها تابع لنظام الأسد وحلفائه وبعضها تابع لفصائل المعارضة المختلفة، يتمنى الكثير من المسلحين الواقفين على هذه الحواجز أن لا تنتهي الحرب أبدا لأنها تحولت مع مرور الأيام إلى مصدر دخل جيد بالنسبة لهم، وكذلك الحال في جبال اليمن الشاهقة ثمة مسلحون في جبهات مختلفة يرون في توقف الحرب كابوسا أسود سوف يعيدهم إلى البطالة والفقر، أما في العراق فلا أحد من أمراء الحرب الأهلية وزعماء الأحزاب التي تهيمن على الأوضاع في بغداد يتمنى أن يعود العراق دولة طبيعة كما كان لأنهم حصدوا مليارات الدولارات طوال فترات الصراع المأساوي الذي مزق العراق، وكذلك الحال في ليبيا بالطبع.

لقد تحولت الحرب إلى طريقة للعيش والكسب السريع في هذه الدول العربية، وفي عالم لا يكترث أبدا بالضحايا الأبرياء فإن أي دعوة للسلام ووقف عمليات القصف والقتل تعني خسارة فادحة للمستفيدين من الفوضى الأمنية، وليس ثمة داع لبحث الأسباب التي تدفع الإنسان إلى أن يقتات على دماء مواطنيه ويتمنى استمرار دمار بلده لأن أول شيء تفعله الحرب هو نزع الرحمة من قلوب البشر، هذا بالإضافة إلى أن العالم العربي اليوم يعيش انهيارا أخلاقيا وفكريا لا مثيل له لدرجة أن كل فعل مهما بلغت فداحته ووحشيته يعد أمرا طبيعيا لا يحتاج الى تبرير.


وقد يكون من المهم للسعودية ودول الخليج وبقية الدول العربية المستقرة التي تحاول المساعدة في إنقاذ العالم العربي من هذا الواقع الدامي أن تضع في الاعتبار دائما أن ثمة الكثير من الجماعات المسلحة في الدول العربية المشتعلة يهمها أن تبقى الحال على ما هي عليه، وأن أسوأ خبر يمكن أن يسمعه هؤلاء المسلحون على اختلاف ولاءاتهم هو نهاية الحرب، لذلك فإن استنزاف الجهود الدبلوماسية والأموال وأحيانا الجهود العسكرية قد يتحول أحيانا إلى عبث لا طائل من ورائه.

صحيح أنك لا تستطيع أن تعيش وسط إقليم مشتعل دون أن تتحرك بطريقة ما لإطفاء النار ولكن الحذر واجب ممن يجلسون على طاولة المفاوضات وهم يتمنون لو كان بمقدورهم حمل طاولة المفاوضات وما حولها من كراسي وإلقاؤها في النار كي تزداد اشتعالا!.