-A +A
السفير حمد أحمد عبدالعزيز العامر
وصف المندوب الدائم السعودي بالأمم المتحدة، الموقف الذي اتخذته مصر بتأييدها مشروع القرار الروسي الذي طُرح خلال جلسة مجلس الأمن الأخيرة «بالمؤلم».

وكدبلوماسي عملت طويلا بالأمم المتحدة، كان عليها أن تقف ضده أو تتخذ موقفاً محايداً منه على أقل تقدير، انسجاماً مع الموقف الدولي ومع التوافق العربي، كانت تعلم بأن روسيا ستستخدم (الفيتو) ضد مشروع القرار الفرنسي الداعي إلى وقف إطلاق النار في حلب وفرض حظر فوري للضربات الجوية وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية.


لقد أسقط «الفيتو» الروسي الخامس -الذي أسقط المشروع الفرنسي- في تاريخ مشاريع إنهاء النزاع في سورية؛ ما جعل الفيتو يتحول إلى (مصيبة) حلت على الشعب السوري وسبباً مباشراً لما تعانيه الدول والشعوب العربية من حروب وصراعات وإرهاب، فقد أدى إلى عدم حل القضية الفلسطينية التي مضى عليها ستين عاماً في أروقة الأمم المتحدة بسبب استخدام الإدارة الأمريكية للفيتو أكثر من (40) مرة؛ وهو وراء إحباط الشارع العربي وقيام حرب (1967) وحرب (1973) لتحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة، وبروز حزب الله الإرهابي في لبنان الذي استخدم شعار (مقاومة الاحتلال الإسرائيلي) كغطاء لمد النفوذ والهيمنة الفارسية على الدول العربية التي أكدها الواقع والتصريحات الإيرانية المتكررة بأن أربع عواصم عربية هي (بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء) في قبضة إيران، إلى جانب ظهور المنظمات الإرهابية المتطرفة مثل داعش والنصرة والقاعدة وغيرها وما تقوم به من أعمال مروعة لا تمت للإسلام بصلة.

وعودٌ على بدء، لماذا اتخذت مصر هذا الموقف الغريب والغامض عند التصويت على مشروعي القرارين الفرنسي والروسي؟ لقد برر المندوب المصري ذلك بأن (القاهرة تؤيد كل الجهود الهادفة إلى وقف معاناة الشعب السوري وأنها صوتت بناء على محتوى القرارين وليس من منطلق المزايدات السياسية التي تعيق عمل مجلس الأمن)، واتهم الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن بأنها السبب الرئيسي في فشل المشروعين نتيجة الخلافات بينهم.

وبحسب قراءتي لواقع الأحداث؛ أرى بأن وراء الموقف المصري حسابات سياسية ودبلوماسية تتلخص في الآتي: - توجه نحو تغيير في الموقف المصري تجاه سورية قائم على التطورات العسكرية والنجاحات الميدانية التي حققها النظام بدعم من (روسيا وإيران وحزب الله) والذي ترى القاهرة بأن ذلك سيؤدي إلى استعادة كافة الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة؛ لذلك أوجدت لها خط رجعة يساعدها في تحسين صورتها أمام النظام السوري.

- يؤكد التصويت المصري بأن هناك تقاربا واضحا تجاه الموقف الروسي والسوري، لذلك ليس بمستبعد أن تركز الدبلوماسية المصرية جهودها لإعادة سورية إلى مقعدها في جامعة الدول العربية؛ على اعتبار أن الحل السياسي أصبح الورقة المتبقية لحل الأزمة السورية بعد هزيمة المعارضة عسكرياً.

- ساعد التردد الأمريكي لحل الأزمة السورية والتحالف الأمريكي الروسي لمحاربة إرهاب داعش والموقف الروسي الثابت من الأزمة السورية والتوجه الروسي نحو السماح للسياح الروس بالعودة إلى مصر والترتيبات العسكرية بين مصر وروسيا على تحول إستراتيجي في السياسة المصرية تجاه الأزمة السورية.

مما لا شك فيه أن الموقف المصري ستكون له آثار سلبية على العلاقات العربية المصرية على مختلف الصعد، خصوصاً مع الدول التي لها وقفات تاريخية داعمة لمصر كالإمارات والبحرين والسعودية التي عبرت عن خيبة الأمل الشديدة ووصفت الموقف بأنه (مؤلم)، خصوصا أنه لم يضع في حساباته الدعم المالي الكبير الذي قدمته دول الخليج لتقوية الاقتصاد المصري وعلاج الآثار المترتبة على قرار تعويم الجنيه المصري، وتراجع قطاع السياحة الذي يشكل مصدرا أساسيا في الدخل القومي.

والآن، وبعد اختلاط أوراق الأزمة السورية بسبب تداخل المصالح الدولية والإقليمية والتطورات الجارية في اليمن، والتصعيد بعد حادثة مجلس العزاء في صنعاء، والذي أعلنت السعودية بأنها ستحقق فيه فوراً بمساعدة خبراء دوليين، وقيام الرئيس المخلوع وحلفائه بإزالة آثار القصف والدعوة إلى زيادة التصعيد العسكري ضد السعودية، وتداعيات الملف النووي الإيراني الذي أعطى إيران الضوء الأخضر لمد نفوذها وسيطرتها على المنطقة العربية، والتصعيد الروسي باتخاذ ميناء طرطوس السوري قاعدة دائمة للأسطول البحري، تبقى الحقيقة المؤلمة بأن هناك تغييراً جليا لقواعد اللعبة السياسية التي مضى عليها أكثر من خمسين عاماً، وأن العرب وبسبب انقساماتهم وتشتتهم يمرون بمرحلة قاسية من تاريخهم الحديث قد تؤدي في الفترة القادمة إلى إعادة رسم الحدود الجغرافية السياسية في منطقة الشرق الأوسط بما يتفق والمصالح الدولية الكبرى.