-A +A
أحمد عجب
حين فقدت تلك السيدة ابنها الوحيد، حزنت عليه كثيراً واسودت الدنيا بوجهها، ولهذا قررت الذهاب لحكيم البلدة لتطلب منه وصفة سحرية تعيد إليها ابنها، عندها فكر الشيخ العجوز قليلاً ثم قال لها: عليك أن تأتي لي بحبة خردل من داخل بيت لم يعرف الحزن أبداً، نفذت تلك السيدة المهمة وراحت تطرق أبواب المدينة، لتستمع من أهالي تلك البيوت المعدمة قصصا مأساوية لمعاناتهم هونت كثيراً من مصيبتها حتى نسيت حزنها على ولدها!!
لا شك أن لكل مواطن منا حلما أو أمنية فقدها، وقبل أن يحاصرنا اليأس ويتملكنا الحقد، دعونا نحاول تطبيق وصفة الحكيم ونبحث سوياً عن (وطن لا يعرف الحزن)، على أن تربطنا به ذات الطبيعة والمناخ العام، حتى تسهل المقارنة ويمكن الاستفادة من تجربته، ولأن قائمة البلدان الصديقة طويلة، فإن الاختيار سيكون عشوائياً ولعينة محدودة.

محرك بحثنا يقف الآن على أعتاب مدينة تونس وتحديداً قرب جامع الزيتونة، هذه المدينة العريقة التي يفترض أنها تحتفل اليوم بالذكرى السادسة للثورة، تبدو شاحبة وبائسة، بعد أن فقد الناس فيها الأمل الاقتصادي والسياسي، وبعد أن نخر الفساد والإرهاب أركانها، وتبدل دور أكبر حزبين فيها (النهضة) و(النداء) من الإصلاح إلى الجري خلف المصالح، حتى باتت الطبقة الفقيرة التي أشعلت فتيل (ثورة الحرية والكرامة) تعيش أسوأ مراحل التهميش والبطالة!
مشوار بحثنا المضني، يتوقف الآن أمام بوابة المنشية المواجهة لميدان الشهداء بالعاصمة الليبية، تبدو الأوضاع هادئة ومشجعة، قبل أن يؤوِّل أحد المارة ما يجري، بأنه مؤقت وعائد لإعلان حكومة الإنقاذ مغادرة السلطة وتسليمها لحكومة الوفاق الوطني، سعياً منها لحقن الدماء والحد من المواجهات المسلحة التي يتوقع تجددها بأي لحظة!
وصلت قافلة بحثنا إلى قلعة صلاح الدين بمدينة القاهرة، ومع أن هذه المدينة شهدت ثورتين شعبيتين هما (25 يناير) و(30 يونيو)، إلا أنه لا يوجد هناك أي تطور ملحوظ، بل على العكس تماماً، حيث تشهد الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والمواصلات تدهوراً غير مسبوق، أما الإنسان المصري فهو لا يزال على حاله فقيرا كادحاً يسكن التُراب وبالكاد يجد لقمة عيشه، وقد أيقن متأخراً بأن الثورة الحقيقية التي عاش أحداثها وشارك فيها اختطفت منه!!
لم تسمح منظمات الإغاثة لمحرك بحثنا بالوصول إلى الداخل السوري، خوفاً من البراميل المتفجرة التي حولت المناطق الرئيسية إلى مدن أشباح مهجورة، وإذا كان هناك من نتيجة للثورة، فهي أنها منحت المواطنين السوريين حرية الاختيار بشكل ديموقراطي بين الموت تحت أنقاض المباني أو الموت غرقاً أثناء هربهم وهجرتهم لطلب اللجوء!!
للتو وفي هذه الجمعة المباركة عاد محرك بحثنا إلى أرض الوطن، عاد دون أن يجد ذلك الوطن السعيد الذي يبحث عنه، لكنه ما إن وطئت حروفه صعيد هذه الأرض المباركة، حتى وجد الشوارع والحدائق والميادين تتزين بصور القادة وعبارات التهنئة باليوم الوطني، فيما يتوشح المواطنون من مختلف الأعمار، والفرحة لا تسعهم، بالأعلام والشعارات، حينها أدرك محرك بحثنا أنه وصل أخيراً إلى ضالته وأنه الآن أمام (وطن لا يعرف الحزن).