-A +A
بشرى فيصل السباعي
دائما وفي أي مجتمع يمكن معرفة الاتجاهات والأنماط السائدة لأهله بملاحظة الأمثال والتعبيرات الشعبية المنتشرة فيه؛ لأنها تمثل خلاصة التجربة الجماعية لأفراد المجتمع، ومن التعبيرات التي استوقفتني عبارة «أخلاق تجارية» التي تستخدم كنوع من المسبة للشخص والتي تعني أن أخلاقه سيئة وجشعة ومصلحجية واستغلالية وانتهازية وخبيثة وخداعة ومغشوشة ومزيفة ومحتالة وغير نزيهة وتعامله سلبي وجاف ويفتقر للذوق والطيبة، وقد يعتبر البعض أن هذه صفات عادية وطبيعية للتجار، لكن هذا غير صحيح ليس فقط بمقارنة أخلاق التجار المحليين بنظرائهم في دول العالم بل الأهم هو بمقارنتها بأخلاق التجار المسلمين قديما من جنوب الجزيرة العربية الذين كانوا سببا لانتشار الإسلام في دول جنوب شرق آسيا التي يفوق تعداد المسلمين فيها حاليا تعدادهم في الدول العربية وبقية دول العالم، فما هي نوعية الأخلاق التي رآها أهل تلك البلاد من التجار العرب المسلمين حتى أقبلوا بشكل جماعي على الإسلام؟ بالتأكيد ليست الأخلاق التي نراها حاليا في كثير من التجار المحليين والعرب والمسلمين سواء كأفراد أو كشركات، فما هي أسباب شيوع هذه التوجهات والأنماط غيرالنزيهة والسيئة لدى تجارنا حتى منهم الذين يصنفون أنفسهم على أنهم متدينون جدا؟! بالطبع التدين السطحي بالظاهر والمظاهر وإهمال روح وجوهر التدين هو جزء أساسي من المشكلة ومن الثقافة السلبية السائدة لكنه ليس كلية المشكلة، فالدول التي تعتبر مضرب المثل بالنزاهة التجارية هي تصنف نفسها بأنها من أكثر المجتمعات لادينية مثل الدول الاسكندنافية واليابان؛ فالسبب الأكبر ببساطة هو كما يقول المثل المحق «من أمن العقوبة أساء الأدب» ولكي يكون لقوانين وهيئات النزاهة أثر في صياغة الأنماط والثقافة السائدة يجب أن تكون هناك هيكلية وآليات عملية فاعلة ونشطة وحازمة في ردع أي متجاوز تجعل سلوكيات وأنماط عدم النزاهة مكلفة ماديا وجزائيا على التجار، وعدم نزاهة الواقع التجاري والاستثماري لا يضر فقط المواطنين العاديين ويولد لديهم عدم الرضا وعدم الثقة مع العلم أنه حسب مؤشر السعادة العالمي فالثقة المجتمعية هي من أبرز عوامل السعادة الجماعية لأهل المجتمع، لكن أكثر من هذا الضرر المادي والمعنوي على أفراد المجتمع فهو يضر بالقابلية الاستثمارية للبلد ويجعل مستثمري الداخل والخارج يحجمون عن المغامرة باستثماراتهم في ظل هذا الواقع الثقافي والقانوني التجاري الخطر، بل حتى إن هذا يضع البلد في القائمة السوداء بالنسبة لتصدير العمالة الماهرة وغير الماهرة إليه؛ لأنهم ـ كما نرى ـ يعملون لأشهر وسنوات بدون قبض رواتبهم.


bushra.sbe@gmail.com


للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 738303 زين تبدأ بالرمز 217 مسافة ثم الرسالة