-A +A
خلف الحربي
قبل أسبوع تقريبا نشرت «عكاظ» خبرا من نيوزيلندا يتلخص في توصيل طلبات البيتزا بطائرات دون طيار، هكذا تجري الأمور في مكان قصي في العالم بعكس الأحوال في الشرق الأوسط، حيث لا يمكن أن تحوم طائرة بدون طيار فوق منزلك إلا لتدكه بصاروخ يحولك أنت وعائلتك إلى قطع بيتزا بشرية.
فالإنسان حين يتمدد في مساحة من السلام والأمن يبدأ بتوجيه التكنولوجيا بصورة تزيد من رفاهيته، أما حين تحاصره الحروب والصراعات الدموية فإنه يقوم بالعمل النقيض، حيث يوجه التكنولوجيا بحيث تحقق أكبر قدر ممكن من الموت والتدمير فتتحول السيارات من وسائل نقل إلى قنابل هائلة الحجم، وتصبح مواد التنظيف والأسمدة الزراعية وأجهزة الجوال أخطر من الأسلحة التقليدية.
ثمة أناس كثيرون في الشرق الأوسط يحسدون أهل نيوزيلندا ليس بسبب وصول طلبات البيتزا الشهية في موعدها؛ بل لأن الطائرات مرت دون أن تقتل أحدا، لم تيتم الأطفال ولم تمزق قلوب الأمهات حزنا على أطفالهن ولم تغيب الآباء تحت ركام المنزل، ولا يعلم إلا الله وحده متى تنتهي الحروب في هذه المنطقة، فدول الشرق والغرب تحتاج إلى عقود من الزمان كي تدخل في حرب جديدة، أما دول الشرق الأوسط فإنها لا تنهي حربا ما إلا كي تدخل في أخرى وإن سلمت من الحروب الخارجية فإنها سرعان ما تحترق بلهيب الحروب الداخلية.
وفي ما مضى من الزمان كنا نعلق كل هذه الحروب العبثية المتواصلة على مشجب المؤامرة الغربية الصهيونية، ولكن يبدو أن شهية الدخول في الحرب دون تقديرعواقبها جزء أصيل من ثقافة سكان هذه المنطقة من العالم، أما الانتصار لقيم السلام والإنسانية فإنه يعد لونا من ألوان الميوعة التي لا يحترمها أحد.
في الجاهلية قال زهير: «وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم»، لكن العرب بقوا على حالهم يعلمون نتائج الحرب القاسية ويذوقون مرارتها القاتلة ثم يمضون إليها بمنتهى الحماسة. وهكذا تستمر الطائرات في نيوزيلندا توصل البيتزا، بينما تستمر الطائرات في سماء بني يعرب تبقي بالبراميل المتفجرة وغاز الكلور!.

klfhrbe@gmail.com