-A +A
منى محمّد*
حكت شهرزاد لتغلب بالسرد شهوة القتل، فكانت الحكايات تمد في عمرها ليلةً بعد ليلة، وكان أبطال قصصها مثلها يلوذون بالحكاية من أجل النجاة التي كانت سمة أساسية لهذه الحكايات الألف، إلا أنها ليست غاية هذه الحكايات وحدها، بل تكاد أن تكون غاية كل الحكايات التي تستدعيها الشعوب في أوقات محنها وتلتصق بوجدانها. فحكاية سيف بن ذي يزن الجاهلية عادت وتشعبت في فترة الصراع الذي خلفته الحروب الصليبية بين أثيوبيا النصرانية والممالك المسلمة في أفريقيا، فعادت صورة البطل العربي بشكل أسطوري، ليهزم الأحباش من جديد، وكانت مهمته الأولى هي استعادة (كتاب النيل) الذي استولوا عليه فحجزوا به النيل عن مصر. فالحكاية هُنا مسخرة لنجاة الهوية من الطمس، ونجاة المد الإسلامي من الحصار. بعيدا عن السير الشعبية القابلة للزيادة والاستعادة، تظهر غاية النجاة عبر الحكاية في عدد من الروايات، ففي (كتاب الضحك والنسيان) لكونديرا كانت السلطة القمعية تعد بمستقبل أفضل لكن أبطال الرواية المنفيين كانوا يفكرون في الماضي. (تامينا) لا تفعل شيئا إلا محاولة استعادة رسائلها ومذكراتها. (ميريك) يقول: «نضال الإنسان ضد السلطة هو نضال الذاكرة ضد النسيان» في حرافيش نجيب محفوظ أيضا ينجو أبطاله على مدى عشرة أجيال من خلال حكاية واحدة تنتشلهم من التهميش والظلم وجبروت السلطة، وهي حكاية جدهم الأول (عاشور) المعروف بـ (الناجي).
محليًا؛ في عام محنة جدة كتب محمد صادق دياب (مقام حجاز) لعل مدينته تنجو عبر حكاياتها من الفساد والغرق، فامتد نسل أبطاله (أسرة دحمان) من 1513م حتى 2011م. انتقموا من ظلم الولاة، وذادوا عن مدينتهم من الغزاة البرتغاليين، وحاولوا حماية المظلومين، واستمروا في التقاطع مع الأحداث التاريخية التي ألمت بالمدينة، حتى عام 2011م إذ عادت روح الجد (محسن) شهيد الحصار البرتغالي والتقت بأحفاده. فوجد كل شيء قد تبدل. يتساءل: أين جدة؟ ويأتي الجواب: «لو كنت تسمع لقلت لك: مواسم المطر، ومواليد برج الجدب يموتون في موسم المطر». وعودة إلى الليلة الأولى من الليالي الألف، تحكي شهرزاد عن عفريت غاضب أقسم على قتل تاجر، فظهر ثلاثة أشخاص قايضوا حياة التاجر بثلاث حكايات عجيبة، افتتن بها العفريت فمنح التاجر حياته. وكل حكاية من هذه الحكايات الثلاث تدور حول أشخاص مسحورين مسختهم قوة شريرة إلى حيوانات، وبواسطة الحكاية استعادوا إنسانيتهم وقلبوا السحر على الساحر. فكانت الحكاية عودة للحياة، وعودة للإنسانية.

* كاتبة سعودي