-A +A
علي محمد الرابغي
تناقلت الأوساط الإعلامية في الأسبوع الماضي الأخبار المؤسفة التي تعرض لها بعض الإخوة السعوديين في مطار جاكرتا والتي ألحقت بهم الضرر من قبل المسؤولين عن جوازات المطار. ومع استنكار الجميع لهذه الظاهرة غير الصحية، إلا أنها وبكل أسف تتكرر مراراً وعلى عينك يا تاجر دونما أي عقاب رادع من المسؤولين، الأمر الذي يلحق ضرراً بالغاً بسمعة بلد كبير كإندونيسيا. فالمطار هو الواجهة التي من خلالها يصدر الحكم للبلد له أو عليه. فقبل سنوات عدة كنت وعائلتي في مطار كوالالمبور بماليزيا في طريقنا إلى إندونيسيا وفوجئت بشاب عليه سيماء الحياء والأدب وإلى جواره عروسه، إذ كانا يعقدان العزم على قضاء أيام من شهر العسل في إندونيسيا. كان الرجل يبدي مخافة من التعامل في مطار جاكرتا، إذ قال إنني علمت الآن أن على كل جواز 2000 دولار وأنا أحمل تحويلاً من الراجحي فأرجو أن أكون بجوارك في جوازات جاكرتا لعلك تعينني أن أتجاوز أي مشكلة تواجهني.. وقد كان، إذ قدمته عني في الطابور ثم فوجئت أن موظف المطار يطلب منه 2000 دولار عن كل جواز والتفت إليَّ الشاب فخاطبت الموظف في ودية حميمية قال هذه التعليمات.. فقلت والحل؟
وفي جرأة ووقاحة لا حد لها قال الحل 200 دولار عن كل جواز (رشوة) هنا أخذت أجادله حتى أقنعته أن يخفض المبلغ إلى 100 دولار عن كل جواز، ثم التفت إليَّ قائلا وأنت قلت له أنا أسأل الله لك في مكة والمدينة بأن يتوب عليك ثم انصرفت وكان ينتظرني الشاب السعودي الذي أصر أن يسددني 200 دولار عندما صرف خارج المطار.
هذه قصة وأخرى كنت في مطار دولة عربية لحضور مؤتمر الإعلان العربي وفوجئت برجل أمن على رتبة كبيرة يطلب مني جواز السفر وجواز السيدة زوجتي بينما هناك مكتب خاص للوفود التي تحضر المؤتمر فسلمته الجوازين وانتظرت على مقعد في المطار وفي سرعة البرق الخاطف سلمني الجوازين والحيرة تعصف بي فنحن قد ألفنا في تربيتنا أن الرشوة خصوصا للعسكريين جناية ثم اهتديت إلى فكرة سؤاله هل تقبل هدية؟ قال راجع لذوقك.. فوضعت له مبلغاً من المال فقبله مشكوراً. وفي صورة أخرى مغايرة من واقع التجارب كنت في مؤتمر وفي طريق عودتي من المطار سألني الضابط المحترم لماذا لم تعبئ بطاقة السفر اعتذرت له ووضعت مبلغاً من المال في جوازي وجواز زوجتي وفوجئت بالرجل ينتفض ويقول شيل فلوسك وإذا كنت عايز أنا أديلك، فأحرجني، لكن هي التجربة القديمة غالباً واستلمت جوازي وأنا ألملم ثوب الخجل والحياء وخرجت بانطباع أن الأمانة شرف عظيم من يقدره، فإنه يستحق الثناء والشكر ومن لا يقدره فلا يحق له أن يحمل شعار البلد الذي يمثله، بل تلك خيانة عظمى تترك انطباعاً من شأن تصرف فرد واحد أن يسيء إلى سمعة البلد، وخاصة عند أولئك الذين يتولون العمل في المنافذ الدولية. وأستغرب عميق الاستغراب أن تتكرر هذه العملية في مطار دولي لدولة كبيرة مسلمة دون أن يكون هناك عقاب رادع لتلك الضمائر الميتة التي عفا عليها الدهر. إنها أمانة ومن خان الأمانة فهو خائن لربه وخائن لدينه وخائن لوطنه. أحسب أنني في هذا المقال قد عبرت عن مشاعر جياشة لصدور الكثيرين الذين يقابلون المواقف الحرجة والصعبة التي تحول أنسهم وفرحهم إلى جحيم خاصة من أولئك الذين يسافرون لأول مرة، إذ إن السفر ثقافة. وحسبي الله ونعم الوكيل.

abido13@yahoo.com