-A +A
أحمد عجب
يقال بأن فلاحا ذهب إلى جاره يطلب منه حبلا لكي يربط حماره أمام البيت، فأجابه الجار بأنه لا يملك حبلا ولكنه سيهديه نصيحة، وهي القيام بنفس الحركات حول عنق الحمار والتظاهر بربطه وسوف لن يبرح مكانه، عمل الفلاح بالنصيحة، وفي الغد وجد الحمار في مكانه، ربت عليه وأراد الذهاب به إلى الحقل، ولكن الحمار يرفض أن يتزحزح، حاول الرجل أن يحركه ولكن دون جدوى، حتى أصابه اليأس فعاد إلى الجار يطلبه النصيحة، فسأله هذا الأخير: هل تظاهرت أمامه بأنك تحل رباطه؟ فرد عليه باستغراب: ولكن ليس هناك رباط، فأجابه: هذا بالنسبة إليك أما بالنسبة إليه فالحبل موجود، عاد الرجل وتظاهر بأنه يفك الحبل ثم قاد حماره دون أدنى مقاومة !!
هذه القصة المعبرة، كنت قد قرأتها قبل أعوام تحت عنوان (حبل الحمار)، والحقيقة أنه لم يخطر ببالي للحظة أن أقف يوما على فصول مثل هذه القصة، لأنني ظننت بأن هذا المخلوق البريء الذي ينعته الناس بالغباء، قد انتهى دوره منذ زمن وذلك بفعل التطور الهائل الذي تشهده طبيعة الحياة، لكنني مع الوقت أدركت بأن دوره لا يزال قائما، وكل ما حدث، أن التغير الحاصل اضطره للانتقال من الحقول إلى موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، جاء إلى هذا العالم الافتراضي ليضع سرجه جانبا ويستبدله بجوال ذهبي، جاء وقد تخلى تماما عن صبره وجلده، جاء ليوهمنا بأنه لم يعد ضعيفا أو مطيعا كما كان ولم يعد يصدر منه ذلك النهيق المزعج، بل بات عصفورا مغردا يمكنه التحليق بحرية !؟

هذا المخلوق المغلوب على أمره، لن يعي أبدا عيوب (تويتر) وفي مقدمتها اعتماده على التدوين المختصر بكل تغريدة بحد أقصى 140 حرفا، فكيف لهذه الكلمات القليلة أن توصل الحقيقة؟!، لن يفهم حتى لو استبدل صورته على البروفايل بصورة (انشتاين) بأن هذا الموقع هو أسهل وأسرع وسيلة لنقل الشائعات حول الشخصيات المستهدفة، فكيف نطلب منه أن يتثبت أو يقرأ قبل أن يشارك في الحملة؟!، والأسوأ من ذلك كله، أن هذا المخلوق المسير ربما لن يرتدع أبدا في ظل التعامل البطيء جدا تجاه مطلقي التغريدات المسيئة والمغرضة!؟
اليوم أصبحت نصيحة الجار أكثر رواجا، حيث يعمد مطلق الوسم (الهاشتاق) حين يرغب في جمع أكبر عدد من المغردين أمام هاشتاقه، إلى اجتزاز كلمة من حديث الشخص المستهدف ويكون منها حبل عبارته الوهمية عن الدين أو المرأة، حينها ترى القطيع المستنكر يتزايد بكثرة حتى يبلغ (الترند)، وما الإساءات البالغة التي يطلقونها دون فهم أو وعي إلا دليل قاطع على غبائهم الذي يصور لهم وجود العبارة الوهمية حول أعناقهم، وإذا ما انتهت الغاية المرجوة من الحملة أو بدأت المساءلة، تظاهر مطلق الهاشتاق بأنه يحل رابط الحبل الوهمي ليتزحزح القطيع ثم يقوده إلى حملة مضللة أخرى !!