-A +A
بشرى فيصل السباعي
أحد أهم الأصول المهملة في تشخيص المحركات الإنسانية لعجلة التنمية والتطور والتقدم هو العامل الثقافي، فالقفزات الحضارية تتولد عن ثقافة تجعل لأهلها أنماطا تحقق تلك النجاحات وتتمثل هذه الثقافة المحركة للإنسان المعاصر فيما تعرف بأدبيات «التنمية الذاتية» والتي بدأت بجمع قصص الناجحين في كل المجالات ورصد أنماط امتيازهم النفسي والعقلي والسلوكي والعملي، وبات هذا المجال علما أكاديميا يخضع للدراسة والبحث في أكثر من تخصص، وتدفع الشركات والمؤسسات الكبرى مبالغ طائلة لمشاهير التنمية الذاتية لإقامة ورش عمل ودورات لمنسوبيها وهي لا يمكن أن تنفق تلك المبالغ الطائلة سنويا، إلا وهي ترى أنها تحقق لها جدوى اقتصادية، لكن للأسف أنه ككل مجال ثقافي فقد داخل أدبيات التنمية الذاتية الكثير من التوصيفات الموضوعية لها يتمثل بالتعبير الشعبي «كلام فارغ» أي لا حقيقة فعلية له، وبسبب كون مجال التنمية الذاتية لازال مستجدا في السعودية والخليج وهي أكثر الدول العربية إقبالا عليه وبسبب عدم وجود متخصصين أكاديميين محليين تخصصوا في أبحاثه وصاروا من خبرائه الذين يقودون واقعه فغالب ما يوصف لدينا بدورات وورش عمل للتنمية الذاتية لا فائدة فعلية له من أي وجه، وعموما لتجنب إهدار الموارد فيما لا طائل من ورائه يمكن إجمال العناوين التي تصنف على أنها من قبيل «الكلام الفارغ» بالتالي: اغمض عينيك وتخيل أنك..، ذبذبات وعبارات تحت مستوى الوعي، التنويم المغناطيسي للنفس، ترديد عبارة ما مثل تكرار عبارة «أنا أحب نفسي» بالإضافة لتضخيم غرور الأنا والنرجسية وجعلها من الثقة بالذات، بينما الثقة بالذات الحقيقية تتولد عن التمكن والنجاح، خفض التوتر فنحن نحتاج للتوتر الذي أثبتت الدراسات أنه بالقدر المعتدل يعتبر إيجابيا كمحرك للفاعلية، وربما الناس بالعالم الصناعي يحتاجون لخفض التوتر وليس نحن، فنحن نحتاج دورات لرفع التوتر، تجنب الدورات التي ليس لأصحابها كتب منشورة، فتأليف كتاب يعني أن الشخص مؤهل معرفيا ولو بالحد الأساسي لتقديم النصائح، والدورات التي تجعل المشاركين يقومون بتصرفات سخيفة كما بالصورة المؤسفة المنشورة لمجموعة رجال خليجيين وكثير منهم ملتحون في قاعة مع مدرب تنمية ذاتية وقد جعلهم يخلعون أثوابهم ويبقون بالسروال والفنيلة وهو معهم! والأدبيات التي تقلل من أهمية الحصول على الشهادات الأكاديمية وتضرب المثل بنجاح نوادر عباقرة التكنلوجيا وهم بحكم الاستثناء، فسوق العمل الحالي يتطلب الحصول على أعلى الدرجات العلمية المتخصصة وبتفوق، ومن ليس حاصلا عليها يصعب عليه منافسة الشركات الكبرى المهيمنة على السوق بمشروع عصامي.