-A +A
بشرى فيصل السباعي
ما الذي يحكم ردة فعل أهل مجتمع ما إزاء المستجدات والمتغيرات؟ إنها الثقافة السائدة التي تشكل وتصوغ وتقولب العقلية والنفسية الفردية والجماعية وبالتالي أنماط السلوك الفردي والجماعي، وهناك ثقافات ترسخ في أهلها فضيلة لين المرونة والتكيف في التعامل مع المستجدات والمتغيرات، وهناك ثقافات ترسخ في أهلها سلبية عنجهية التصلب ومقاومة كل تغير وتجدد واختلاف قبل حتى تبين ماهيته وفهمه وتقييمه بشكل موضوعي بالمقارنة مع السائد، ومثل هذه الثقافات يسودها الجمود والتخلف والعنف المادي والمعنوي لأنها تتصادم باستمرار مع الثابت الوحيد بالدنيا وهو سنة التغيير، مع العلم أنه في كل تغيير هناك فرص جديدة ومن يرفض التغيير ويقاومه ويتعنت في التعامل معه يضيع على نفسه تلك الفرص الجديدة التي يفوز بها من لديه نمط التقبل الإيجابي للتغيير والتكيف مع مستجداته وإن كان يرى وجود سلبيات معينة في هذا التغيير فهو يعمل على معالجتها لكنها لا تجعله يرفض ويعادي كامل منظومة التغيير المستجدة، وفي النهاية التغيير قائم ومن يتخذ موقفا سلبيا متصلبا معاديا سيخسر فرصه المتجددة ولن يمكنه إيقافه مهما تصلب وتعنت وعاند فيه حتى لدرجة العنف المادي والمعنوي، وكل ما نراه في العالم العربي والإسلامي من فوضى منساقة بشكل لا واع للتدمير الذاتي سببها ثقافة الرفض العنيف المتعنت للتغيير والتجديد والتكيف، وكل المجتمعات داخلتها ذات المتغيرات التي تداخل العالم العربي والإسلامي ونجحت بالتكيف الإيجابي معها ولهذا استقرت وتطورت وتقدمت وإن بقيت تنقد سلبيات معينة في منظومة المتغيرات المستجدة لكن هذا لم يجعلها ترفض الكل لسلبية معينة في الجزئيات، وهذا هو النمط الموضوعي الواقعي العقلاني في التفكير والسلوك، وهو رأس الفضائل التي بها تقدم الغرب وبقية دول العالم الصناعي، وقبل أن يتبناها كان حاله تماما كحال العالم العربي والإسلامي، والتغيير الثقافي لا يحصل فقط بقرار حكومي إنما بوسائل التأثير الثقافي الجماعي، وللأسف أنه في ظل طوفان وأعاصير وزلازل وتسونامي العنف الذي يجتاح العالم العربي والإسلامي لم يبرز مفكر ومثقف واحد يقدم منظومة فكرية وثقافية متكاملة تمنح مجتمعه وأمته منظومة بديلة عن تلك السلبية السائدة التي أدت إلى واقع التدمير الذاتي الحاصل في العالم العربي والإسلامي، وليس صحيحا أن اللائمة في هذا تقع على الحكومات ففي عصرنا حيث متاح للفرد عبر الإنترنت وحده الحصول على الذخيرة المعرفية والفكرية والثقافية لكل البشرية لا حجة لأحد تبرر سطحية وهزال ما يقدمونه من منتجات ثقافية لمجتمعاتهم الحائرة.