-A +A
علي حسن التواتي
لنتفق أولا على أنها وزارة الماء لأن الماء لا يجمع في اللغة العربية وحتى بنص القرآن الكريم لم يرد مسمى الماء في صيغة الجمع فهي وزارة الماء وحتى في اللغات الأجنبية اسمه الماء. وكان الأجدى أن تسمى (وزارة الماء والصرف الصحي) لأن استرجاع نسبة كبيرة من ماء الصرف لاستخدامات حضرية لا حصر لها أقلها الزراعة وأكثرها الاستخدامات الصناعية لا يقل أهمية عن إنتاج وتطوير مصادر الماء. أما الكهرباء فكان الأولى أن تستقل في وزارة تسمى (وزارة الكهرباء والطاقة) لتطوير مختلف مصادر الطاقة البديلة من النووية للحرارية بدلا من تفريقها على مصالح ومدن صناعية ووزارات عدة.
أما مفردة «خشر» الظاهرة في العنوان فهي مفردة عربية قديمة ما زالت تستخدم في نجد حضرا وبوادي وتعني (شراكة أو شركة). وسبب ظهورها في عنوان مقالة عن الماء هو ورودها في وثيقة تاريخية من وثائق دارة الملك عبدالعزيز ضمن خطاب موجه من المغفور له بإذن الله الملك المؤسس عبدالعزيز بن سعود لأحد عماله لحل نزاع قبلي على موارد الماء قال فيه (الماء خشر) ولم يقل «المياه» لأن الفطرة العربية الأصيلة في استخدام الملك للغة لم يكن قد اعتراها ما اعتراها منذ ذلك الحين.

وكالعادة سينبري من يقول إن الماء المقصود هو الماء الذي نبع من الأرض أو هطل من السحاب وليس الماء الذي تم الإنفاق على إنتاجه. وهذا قول مردود جملة وتفصيلا فالماء شركة ومن يمنع من الشرب إن لم يكن لديه ماء يمكن أن يقاضي من منعه، وإن مات بسبب عدم إعطائه الماء تلزم المانع ديته ولذلك سمى النجديون الماء (الدية) فلا يغيب بحال من الأحوال عن الموائد والمناسبات.
ولم يخالف الملك عبدالعزيز رحمه الله مبدأ «الشركة» في الماء حتى مماته ففي عام 1367 أمر بإنشاء وقف خاص سمي فيما بعد باسمه (العين العزيزية) لجلب الماء من وادي فاطمة الذي يبعد نحو 70 كيلومترا لسقيا أهالي جدة ولم تتقاض الدولة من المواطنين ريالا واحدا في عهده «رحمه الله» بل زاد بأن أمر بإيجاد موارد مالية للعين العزيزية بأن يكون ربع الأراضي الواقعة جنوب وشمال أنابيب العين من الكيلو الخامس في جدة وحتى منابع العين ملكا لها.
والملك عبدالعزيز «يرحمه الله» كان يترسم سنة نبي الأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بخصوص «شركة» الماء بين المسلمين حيث قال: «لا يمنع الماء والنار والكلأ» وقال صحابي «غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمعته يقول: الناس شركاء في ثلاث: الكلأ والماء والنار» وفي لفظ: «المسلمون شركاء في ثلاثة: "في الماء والكلأ والنار» ورواه ابن ماجه من حديث ابن عباس وزاد: «وثمنه حرام».
أما من الناحية الاقتصادية فالماء سلعة «عديمة المرونة» بمعنى أن من يملك إنتاجها يملك رفع سعرها كيف شاء، وقيام وزارة الماء برفع تعرفة الماء في بلد صحراوي استنفد ماؤه الجوفي في مرحلة تاريخية معينة بفعل خطة زراعية وضعتها الدولة يدخل - في نظري - في باب رفع السعر. ولا يجوز في حال من الأحوال استغلال حاجة الناس للماء الذي هو في الأصل «خشر» لزيادة إيرادات شركة حكومية تنتج الماء.
ولا بد في الختام من التأكيد على أن استغلال السلع «عديمة المرونة» كافة كالماء والطاقة لزيادة موارد الدولة غير النفطية غير ملائم والأجدى هو في زيادة موارد الدولة من طريق دعم المشاريع والابتكار وإيجاد المشاريع المنتجة التي تدر إيرادات لمن يمتلكوها وللدولة من خلال حصص مشاركة ومرابحة معلومة.
ولذلك أدعو إلى إعادة هيكلة وزارة الماء لتصبح وزارة للماء والصرف الصحي وألا تشغل عن مهمتها الأساسية بالكهرباء والطاقة وأن تعتلي قائمة أولوياتها إعادة التعامل مع مجمل مسألة الماء تعاملا علميا يشمل الإنتاج والكلفة والتوزيع. والكلفة يجب أن تتحمل الدولة فيها الاحتياج الأساسي للفرد الذي يدخل في باب «الشركة» مثل الوضوء 5 مرات في اليوم لكل مسلم على هذه الأرض وغسل الجمعة وكافة أنواع الغسل الشرعي والشرب. فهذه الاحتياجات التي لا يد للفرد فيها هي التي تضغط على المواطن والمقيم من المسلمين، أما باقي الاحتياجات فبإمكان الشركة الحكومية أو الشركات الخاصة المنتجة أن تحمل تكلفتها لمن يستهلكها بنسب معقولة..