-A +A
جارالله الحميد

عندما نقرر إطلاق وصف آخر لـ(حرية التعبير) فإن أفضل ما نطلقه هو (حرية الكلام). في السياق يقول مفكر فرنسي، كدت أكتب (فولتير) فتذكرت نصيحة شيخ لي في الكتابة لا عليكم منها، المهم يقول (أكره ما تقول ولكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقوله!). ولقد أقرت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة، وكذلك التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة، أقرا وبوضوح (الحاجة إلى حماية حرية الكلام)! وتحظى حرية الكلام بأهمية خاصة في المجتمعات والدول الديموقراطية لأن الناخبين يرغبون في الاستماع إلى نطاق واسع من الآراء و(تفنيدها). كما يودون الحصول على حقائق وتفسيرات ووجهات نظر مختلفة ومتباينة. سأستعمل ها هنا مصطلح (حرية الكلام) كونه أبعد أثرا وهو مترجم حرفيا فـ( speech) تعني الكلام لا التعبير!

وspeech تشمل نطاقا واسعا من أشكال التعبير، بما في ذلك الكلمات المكتوبة والمسرحيات والأفلام ومقاطع الفيديو واللوحات في معظم القضايا الجدلية الخاصة بالأفكار المعبر عنها قولا أو كتابة. فالتعبير عن الفكرة في زمان محدد ومكان محدد له تأثير متوقع. والمستمعون والقراء يفهمون تعبيرا ما على أنه ألقي عمدا في هذا السياق ليكون له تفسير معين، ومتوقع.

وكما أسلفت يمكن التعبير عن الأفكار من خلال الأفعال العامة/ الرمزية/ مثل (حرق علم أو حرق بطاقة تجنيد أو تمزيق ورقة عملة..) وعندما يقصد بوضوح من هذه الأفعال توجيه رسالة ما، فإن حقيقة خلوها من الكلام لا تمنع من أن تكون (أمثلة على الكلام)! ورأينا في 25 يناير كيف نجحت ثورة التغيير في (مصر) دون إطلاق رصاصة واحدة. ولقد ميز فيلسوف أوروبي اسمه (أشعيا برلين) بين مفهومين للحرية: المفهوم السلبي والآخر الإيجابي. فأنت حر في فعل أي شيء من هذه الزاوية السلبية، إذا لم يمنعك أحد من القيام به. في المقابل تعني الحرية الإيجابية (حرية تحقيق ما تريده فعلا) فربما تعاني على سبيل المثال: قيودا نفسية داخلك تمنعك من التعبير عن نفسك كما تريد. مع ألا أحد يمنعك من الكلام.

سنتحدث عن الجانب السلبي للحرية. باعتبار أن لها جوانب إيجابية لا تحصى. وتاريخ (حرية الكلام) هو تاريخ عريض واسع من محاولات منع الأشخاص من التعبير عن آرائهم. وسواء كان ذلك بالرقابة أو الاعتقال أو القوانين المقيدة أو التهديدات الفعلية والضمنية باستخدام (العنف) أو حرق الكتب أو اعتراض آليات البحث أو (الإعدام) في أكثر الأحوال تطرفا. مع أنه جدير بالذكر أن بعض الفلاسفة الماركسيين مثل -هربرت ماركوز- في مقاله (التسامح القمعي) أشاروا بوضوح إلى أن غياب الرقابة لا يضمن ممارسة الحرية على نحو يستحق التقدير. ففي مجتمعات يلقن فيها المسيطرون على وسائل الإعلام عامة الناس ويتحكمون فيهم قد تحكم حرية الكلام مصالح الناس ذوي النفوذ فحسب! ويكون هذا شبيها في تأثيره بالرقابة القمعية في مجتمع استبدادي.

وعندما يطالب الأفراد المستقلون بحرية الكلام فإنهم لا يعنون أن يتمتع كل إنسان بحق ثابت في التحدث وقتما وأينما وكيفما شاء، فهم لا يقولون ذلك! وهذه نقطة مهمة ومحورية. فحرية الكلام التي نريدها هي حرية التعبير عن آرائك في الأوقات المناسبة والأماكن المناسبة لا حرية الحديث في أي وقت! كذلك لا ينبغي أن تكون حرية للتعبير عن أي آراء كانت. بل لا بد من قيود تفرضها ولا يعني وضع القيود (اللجم) فهذا مناف لإنسانية الفرد التي يتمتع بها منذ تمت ولادته!

عندما تقول (أؤيد حرية الكلام) فإن العبارة ناقصة المعنى نسبيا دون توضيح حدود هذه الحرية. فبينما كان الناشرون ورؤساء تحرير الصحف يتحكمون في وقت من الأوقات في سبل الوصول إلى جمهور أكبر فإن ظهور مفهوم (صحافة المواطن) في الزمن الحاضر أوضح أن بإمكان أي شخص لديه اتصال بشبكة (الإنترنت) ولديه معرفة بأساسيات استخدام الكمبيوتر يستطيع الوصول لجمهور عريض دون تحكم وسطاء في ما يقوله. لكن ثمة إشكالية أخلاقية يعتقد أنها من مخاطر الإنترنت فهي تزيد من أخطاء الكلام غير المسؤول. مثلا:

1- الجهل بالهوية.

2- غياب مراقبة الجودة.

3- الجمهور المحتمل الضخم.

4- عثور المعادين للمجتمع على أصدقاء لهم.

هكذا نرى أن حرية التعبير قد تكون هدامة وغير خلاقة بل وضد مصالح المجتمعات والشعوب.





jalhomaid@yahoo.com