-A +A
علي حسن التواتي
يؤسفني في البداية التنويه بأن معظم أخبارنا الاقتصادية المسكوت عن إبرازها محليا، نجدها بسهولة على مواقع اقتصادية غربية لمسؤولين سعوديين ثانويين يمتنعون عن ذكر أسمائهم ومناصبهم، ولكن يبدو أنهم عاجزون عن كبت شهوة الإدلاء بالتصاريح للصحفيين الغربيين، ربما، للظهور بمظهر المثقفين والعارفين ببواطن الأمور..
ورغم تدقيقنا فيما ينشر في الشأن الاقتصادي في مصادر غربية من باب أمانة النقل وحماية النفس من التضليل، إلا أننا ننتهي إلى قبول معظمه لأنه منقول فعلا عن أشخاص في مواقع تمكنهم من الاطلاع على بعض الأمور.

اليوم، نستقي من نفس المصادر الأجنبية أن شركة أرامكو السعودية أرسلت منذ ثلاثة أسابيع طلبات لبيوت خبرة وشركات استشارية عالمية لدراسة (السيناريوهات) الخاصة لطرح أولي لأسهمها في الأسواق العالمية. وتضمن الطلب المدة الزمنية اللازمة وماهية الأصول أو المشاريع المشتركة التي سيشملها الطرح، وذلك بغرض تقديمها للحكومة خلال النصف الأول من هذا العام.
وبصرف النظر عن (السيناريوهات) التي تم استعراضها من ثلاث صحفيين على موقع بلومبيرغ لتخصيص أرامكو السعودية، إلا أن ما يهمني هو أننا لم نكن بحاجة لتسليم الجمل بما حمل لشركات الدراسات الإستراتيجية العالمية. ففي بلادنا بفضل الله عشرات الهيئات والمراكز والجامعات والمعاهد العليا التي توجد فيها مراكز أو مجموعات بحوث مميزة بكفاءات وطنية متقدمة يمكن أن تسخر المعرفة والولاء للوطن في إنتاج سيناريوهات لا تخطر على بال أي شركة استشارية أجنبية.
وهذا لا يعني أنني أرفض الانفتاح على العالم فتعليمي وثقافتي الشخصية مثل غيري كثيرين، هي من نتاج الانفتاح على العالم. ولكن ما أعنيه هو ضرورة أن يوكل الأمر لجامعة سعودية أو مجموعة شركات وتحالفات استشارية ومصرفية وطنية لأداء الأعمال الرئيسية، ولا مانع من استعانة مثل هذا التجمع أو التحالف الوطني ببيوت خبرة عالمية أو مستشارين أجانب ولكن في حدود احترافية ضيقة تتطلب كفاءة أو معرفة نادرة أو جديدة أو مبتكرة. أما أن نلجأ منذ البداية للطريق الأقصر والأسهل في التعامل المباشر مع هيئات عالمية فهذا ما لا أرى أنه مناسب أو حتى محمود العواقب.
وحينما تقدم أرامكو على مثل هذه الخطوة يكون الألم أكبر لأن هذه الشركة في نظرنا هي (جوهرة التاج) في الصناعات السعودية، ولقد تربى لدينا انطباع عبر الأجيال بأنها (سوبر كومباني) وأن لا أحد مثلها في الإدارة والفعالية حدّ أنها لم تعتذر أو تتردد في الإقدام على تنفيذ مشروعات وبنى تحتية لا علاقة لها بتخصصها وكنا نقول (لا بأس فهي أرامكو).
لقد فوجئت حقا بأن الشركة لم تتمكن حتى الآن وعبر كل هذه العقود من توفير الوعاء التنظيمي والإنساني الحاضن للكفاءات اللازمة لتشكيل فريق بحثي إستراتيجي وطني، يوظف الكفاءات والخبرات الوطنية المتراكمة في القطاع المصرفي وفي الجامعات وبيوت الخبرة المحلية لإنجاز مشروع التخصيص الذي أزعم، بالرغم من كل تعقيداته، بأنه لن يعجز الخبراء المصرفيين السعوديين ولا مراكز بحوث الجامعات والقطاع الخاص المتخصصة في المسائل المالية والاقتصادية مع أخذ الأبعاد الإستراتيجية الوطنية في الاعتبار عند تحديد خيارات التخصيص المتاحة أمام أرامكو أو حتى أي شركة أكبر منها.
ولذلك أطالب للمرة الألف بضرورة الإسراع في إصدار نظام مراكز الدراسات والبحوث الوطنية ولوائحه التنفيذية. هذا النظام الحبيس في أدراج مجلس الخبراء لعشرات السنين يجب أن يرى النور لتنظيم عمل مراكز البحوث والدراسات في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للعمل كمنظمات غير ربحية، وألا يسمح للأجانب بالعمل المباشر في الاستشارات إلا من خلال المراكز الوطنية وتحت قيادة وطنية حتى تحقق التنمية أهدافها وتتطور لدينا المواهب والقدرات البشرية اللازمة لقيادة المرحلة الاقتصادية الصعبة القادمة. وعلينا أن نتذكر دائما أن من لا يشارك في البناء والتخطيط، قد لا يكون قادرا على التنفيذ..