-A +A
أحمد عجب
مع كل قصة تقرأها لفتاة هاربة، أو تم ضبطها بمخالفة منافية، أو بحوزتها صورا خادشة أو سيجارة مخدرة، ينتابك تفاؤل عجيب في هدايتها وعودتها لذويها مع السطر الأخير، فأنت الآن تلمس الأدوار الإيجابية التي يقوم بها الناس الغرباء عنها، سواء بمد يد العون لها أو بتقويمها من خلال إيقاع العقوبات النظامية عليها، ومع تقدمك أكثر في القصة تشعر بمدى ندم الفتاة على فعلتها، ثم ترتفع درجة تفاؤلك، حين تستمع لشهادة السجانة أو الأخصائية الاجتماعية وهما تؤكدان أنها من أفضل النزيلات خلقا ودينا، لكنك مع كل قصة تتفاجأ من جديد بنهاية تراجيدية غير متوقعة حين يرفض والدها استلامها من السجن أو دار الرعاية بالرغم من صلاحها وانتهاء فترة محكوميتها!.
هكذا تتركها أيها الأب الفاضل وهي في أمس الحاجة إليك، هكذا تتخلى عنها وترميها لتواجه مصيرها المجهول، نعم ابنتك اخطأت، وربما وطت راسك بين الناس، هذا صحيح، ولكن لا يوجد هناك إنسان على وجه البسيطة معصوم من الخطأ، ولماذا نذهب بعيدا، أنت على سبيل المثال، انظر إلى المرآة إن استطعت النظر إليها واسأل نفسك: ألم يحدث خلال مراحل حياتك أن وقعت ضحية لرغبة أو نزوة عابرة؟! كيف تبرئ نفسك تماما من الخطأ الذي ارتكبته ابنتك وأنت ولي أمرها؟! كيف لم تلحظ عليها تغيرا أو سلوكا غير سوي ولماذا أنت دائما آخر من يعلم؟! كيف تطلب بعد ذلك من الله أن يغفر لك ذنوبك وأنت لم تغفر زلة ابنتك التي هي من لحمك ودمك؟!.

لا أدري ما إذا كنتم أعزائي القراء ستوافقونني الرأي أم لا، ولكنني أحمل في داخلي الكثير من الإعجاب بذلك الرجل الذي وقف مع زوجته السجينة المتهمة في جريمة أخلاقية، ظل مؤمنا ببراءتها وباحثا عن مخرج لها، لم يرضخ للظنون ولم يأبه لكلام الناس، كان بإمكانه أن يتخلص من كل هذا العناء بكلمة واحدة تفصل بينهما، لكنه فضل أن يبقيها على ذمته وأن يقف إلى جانبها حتى تتجاوز هذه المحنة، بداية برعايته للبيت والأبناء طوال مدة غيابها، ومرورا بتوكيل فريق من المحامين والمستشارين للترافع عنها، وانتهاء بزياراته المستمرة لها ورفع معنوياتها، لقد ضرب بموقفه الشهم هذا أروع الأمثلة في كيفية تمثيل الإنسان لنفسه حين يتعامل بقناعاته لا بما يمليه عليه الناس من حوله!.
في اعتقادي أنه يتعين إعادة صياغة بعض المفاهيم الخاطئة، وذلك من خلال تغذية الخوف من المسؤولية لدى الآباء قبل الخوف من الفضيحة، فربما كان الأب ميالا إلى نصرة ابنته المنحرفة حتى ينجح في إعادتها إلى الطريق الصحيح ولكنه يخشى نظرة الناس ويشعر في المقابل أنه لن يكون في دائرة المسؤولية سواء لإهماله في التربية أو لتركه ابنته تواجه مصيرها لوحدها «فلماذا يوجع راسه»، لكن تخيلوا كيف ستكون النتيجة فيما لو أفهم الأب بمجرد القبض على ابنته بأنه حكم عليه هو الآخر بعقوبة مع وقف التنفيذ هذه المرة، وأن هذه العقوبة ستراعى وتنفذ في المرة القادمة إذا ما تم ضبط ابنته ثانية، حينها سيضع الأب ابنته داخل عينيه ويحافظ عليها غصبا عنه، ومن يدري فربما عادت له مبادئه وقيمه الإنسانية مع الأيام فيشعر بالحنين تجاهها ويعوضها عن حنان الأبوة الذي فقدته.