-A +A
علي حسن التواتي
توعد مصدر مسؤول في وزارة النقل السعودية (سيارات الأجرة التي تعمل من خلال تطبيقات الهواتف الجوالة) بالويل والثبور وعظائم الأمور. واعتبرها مخالفة وأن وزارته ستطاردها فوق كل أرض وتحت كل سماء.
وتعلم وزارة النقل علم اليقين أن معظم هذه السيارات لا تقدم خدماتها بشكل عشوائي ولا هي بالمجهولة بل هي شركات عالمية عابرة للحدود توظف موارد محلية لا تملك أيا منها في تقديم خدمة آمنة ومضمونة في أي زمان ومن أي مكان، في طول المدينة المغطاة بخدمتها وعرضها، بسعر معروف وسائق معروف وسيارة معروفة من غير مساومة أو تسويف أو إغلاق عداد أو تضجر.

لقد أصبح هذا النوع من خدمات النقل العابرة للحدود بالموارد المحلية في كل بلد هو القاعدة العالمية الآن وليس الاستثناء. وفي بلادنا عدة شركات عالمية تقدم هذا النوع من الخدمات الرائعة التي أغنت العديد من العائلات السعودية في المدن الكبرى خاصة منها الرياض وجدة والدمام عن السائق الأجنبي الخاص الجاثم على أنفاس المواطنين ومواردهم. ومن هذه الشركات الدولية العاملة في بلادنا شركة أوبر الأمريكية، وكريم الإماراتية، وإيزي تاكسي البرازيلية، وماستر اللبنانية، وغيرها..
بل إن المسألة تخطت البر للجو وربما للبحر قريبا، ودخل فيها مستثمرون سعوديون كبار -أحتفظ بأسمائهم- بمبالغ وصلت الى 26.1 مليون دولار في شركة JetSmarter لتأجير الطائرات الخاصة، النظير الجوي لشركة سيارات الأجرة «أوبر»، بحسب أنباء نشرتها شبكة بلومبيرغ الاقتصادية العالمية يوم الاثنين الماضي. وأضافت بلومبيرغ أن تلك الشركة التي أسست على يد الروسي سيرغي بيتروسوف المقيم حاليا في فلوريدا، تسمح أيضا بحجز مقعد واحد على متن طائرة خاصة بواسطة الهواتف الذكية، وبهذا يتم، من ناحية، تشغيل عشرات الطائرات الخاصة المركونة في المطارات تشغيلا اقتصاديا بسبب عدم تواجد أعداد كافية من الركاب، ومن ناحية أخرى، تنخفض تكلفة حجز مقعد بسعر أقل من استئجار طائرة خاصة بأكملها، لتكون تكلفة الرحلة بهذه الطريقة تعادل تقريبا تكلفة تذكرة أي شركة طيران على مقاعد الدرجة الأولى..
كل هذا يجري وأمانة العاصمة الرياض ومرورها تضطر لتنفيذ حملات تصحيحية لوقف الأذى الذي تتسبب به شركات تأجير السيارات المحلية المرخصة وغير المرخصة للمواطنين في مختلف أحياء العاصمة لتجد (1051) مكتب تأجير، ولتسفر الحملة عن إغلاق (693) مكتبا منها، لعدم وجود رخصة، أو تكديس السيارات أمام محلات التأجير دون مراعاة للراحة السكان أو لطاقة الشوارع الاستيعابية.
وبدلا من أن تقوم وزارة النقل بأخذ زمام المبادرة في اللحاق بركب التقدم وإنشاء شركات وطنية تقدم نفس الخدمة التي تقدمها شركات الجوال العالمية نفاجأ أن وزارة العمل هي التي تعتزم إنشاء شركة بمسمى «خدمة»، لتوطين الوظائف في قطاع سيارات الأجرة الخاصة والعامة للسعوديين، بالتعاون مع عدة جهات حكومية أخرى، وذلك لإحداث نقلة نوعية في الجودة والخدمات وتحقيق السلامة والأمان في هذا القطاع، وذلك على أمل توفير 22 ألف وظيفة لمواطنين سعوديين خلال 5 سنوات. بل الأغرب أن المبادرة الإيجابية الأخرى كانت من غرفة الرياض التجارية التي سبق أن أعلنت عام 2014 عن تأسيس شركة أخرى، لم تر النور بعد، تحت مسمى «خدمة» برأسمال مليار ريال مستهدفة تأجير السيارات في الرياض وجدة والدمام.
وكل هذا يجري ووزارة النقل ثابتة على موقفها الراسخ رسوخ الجبال، بالتأكيد على أن هذا ممنوع وهذا يشكل ازدواجية وهذا سنتخذ بحقه الإجراءات النظامية الرادعة.
إن خدمة المشاوير داخل المدن بالسيارات وبينها بالطائرات الخاصة باستخدام تطبيقات الهواتف الجوالة يمكن أن تعمم على أصغر المدن وأكبرها بالموارد المحلية للمدينة أو القرية. فعلى سبيل المثال ألا يعتبر وجود مثل هذه الخدمة المضمونة في تبوك أو عرعر أو الدويد أو بيشة أو تندحة خيرا من استجداء صاحب ونيت أو شاحنة لا تعرفه ولا تعرف خيره من شره أن ينقلك من مكان لآخر وربما يورطك في أمور لم تكن تخطر لك على بال.
ولذلك لا أرى في المنع والتهديد حلولا عملية يمكن أن توقف مثل هذه الخدمات فلو كانت مجدية لنفعت هيئة الطيران المدني التي كانت تطارد المسافرين عن طريق مطار المنامة بالشرطة حينما افتتح مطار الدمام قبل حوالى عقد من الزمن ولم تجد حينها من يسافر منه سواء من المواطنين أو المقيمين. بل المؤكد أن مثل هذه الحلول العنيفة ستزيد الأمر سوءا وتظهر الوزارة بمظهر المتخلفة التي لا توجد لمواطنيها حلولا عملية لمشاكل المواصلات ولا تسمح للهيئات الحكومية والخاصة الأخرى أو للعالم بمساعدتهم على تجاوزها.
والمخرج، من وجهة نظري، بالنسبة لوزارة النقل يتمثل في احتواء هذه الشركات وتنظيم عملها بدلا من مواجهتها ومطاردتها. ويمكن في هذا الإطار الاستفادة من هذه الشركات في وضع ضوابط لها من أهمها (الجنسية السعودية والتزكية الأمنية واللياقة الطبية للسائق وسلامة السيارة وفحصها بمعدل 3 إلى 4 مرات في العام). فهذه السيارات وسائقوها لا يعملون على الطريق كل الوقت ولكن بحسب أوقات فراغ مالكيها، وبالتالي هي لا تشغل الشوارع ولا تستهلك وقودا ولا تسبب ازدحاما وعوادم مثل سيارات التاكسي التي تجوب الشوارع جيئة وذهابا وتمتنع عن العمل في خدمة المواطنين في المواسم لارتباط ملاك شركاتها بعقود لخدمات المواسم دون اهتمام بحاجة المواطن اليومية التي منحت التراخيص من أجلها..