-A +A
بشرى فيصل السباعي
الازدواجية والتناقض هي من أقبح صفات وسلوكيات البشر وأكثرها إثارة لغضب وغيظ وإحباط الآخرين (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون). أما سببها فيكمن في مصطلح إنجليزي هو «Compartmentalization» ومعناه «تقسيم الأشياء إلى أقسام ومقصورات منفصلة عن بعضها» أي مثل وضع كل جزء في صندوق مغلق منفصل، وهذا النمط من آليات اللاوعي التلقائي ليجنب صاحبه الشعور بالاضطراب والتوتر من حمله قناعات ومشاعر وقيما وهويات وسلوكيات متناقضة وبعضها ينفي ويدين البعض الآخر، أي ليتهرب من مواجهة حقيقته، وهكذا عندما يضع الشخص كل قناعة لديه في صندوق منفصل منعزل عن غيره لا يشعر ولا يرى تناقضا وازدواجية في سلوكه لأنه يفتقر للوعي بكلية ذاته، والوعي بالذات هو الشمس التي إن أشرقت على أجزاء كيان الإنسان وحدتها وجعلتها تمحص وتصفي بعضها حتى لا يبقى منها إلا ما هو أقرب للحقيقة، وغالبا ما يلجأ الناس للمحلل النفسي لكي يساعدهم على دمج أجزاء ذاتهم لكي يصبحوا أكثر استقرارا ويتخلصوا من معاناتهم من تبعات هذا التشتت، والبعض لفرط انفصام أجزاء كيانه عن بعضها قد يشعر أنه أكثر من شخص «مرض تعدد الشخصيات»، أو يعتقد بتلبس جني به يتصرف بجسده بخلاف إرادته، ولا يعي الشخص أن هذا الذي يحسبه جنيا -لأنه يتصرف بشكل لا إرادي واع منه- هو في الحقيقة جزء من كيانه كان قد أودعه في صندوق وأغلق عليه ووضعه في مكان بعيد وعميق لكي هو نفسه لا يشعر بوجوده لكن هذا الجزء منه سيبقى يؤرقه في اليقظة والمنام حتى يقوم بمواجهته وإعادة إدماجه بكيانه عبر الوعي به، وكلما كانت الضغوطات على الإنسان أكبر وحياته أكثر صعوبة وأقل حرية كثر فصله وعزله لأجزاء من ذاته، وعادة هي تلك الأجزاء التي تتضمن الطاقة الانفعالية الأكبر ولهذا لا يمكن أن ترقد بسلام في صندوقها المنفصل المنعزل الذي دفنه صاحبه في أعماقه حيث لا يمكنه أن يشعر به ولا يتذكر ويستحضر وجوده، ولهذا أول خطوة في طريق إصلاح الذات فكريا ونفسيا وروحيا وأخلاقيا وسلوكيا هي إيقاظ الوعي بالذات وأفضل ما يساعد عليه أمران أساسيان أولهما: القراءة في كتب علم النفس التحليلي العميق وكتب الحكمة وتنمية الذات العميقة، وأيضا مشاهدة الأعمال التمثيلية العميقة التي تجعل الإنسان يعي بتلك الأحوال والمشاعر بداخله، وثانيا: تقبل النقد والنصيحة والعتاب والمعارضة والحوار والاختلاف والمكاشفات وتحليلات المحلل النفسي والمتخصص بالعلاقات الزوجية.