-A +A
بشرى فيصل السباعي
لكل حدث وحال معنى عميق ودلالة واقعية ورمزية يجب التوقف عندها طويلا للوعي بماهيتها، وبالتالي التجاوب معها بما يصلح ويصحح أصل وجذر الخلل فيها، وفي وقتنا الحالي انتشرت الحراسات الحكومية للمساجد في كل أنحاء العالم من السعودية إلى القوقاز مرورا بالعديد من الدول الأفريقية والعربية بالإضافة إلى باكستان وأفغانستان وغيرها، وبرزت الحاجة لتعيين حرس للمساجد في أنحاء العالم بعد تعرضها لهجمات إرهابية وانتحارية لم يقم بها أصحاب الأديان الأخرى أو الملحدون، إنما قام بها مسلمون وليس فقط ضد مساجد المذاهب الأخرى الإسلامية إنما حتى ضد مساجد أهل ذات المذهب كما حدث في مساجد نيجيريا، وأيضا التفجير الانتحاري الإرهابي بمسجد الطوارئ في أبها بمنطقة عسير، وفي العراق؛ عدد أئمة مساجد السنة والمصلين فيها الذين قتلوا في هجمات انتحارية إرهابية لانتحاريين من الجماعة التي باتت تعرف حاليا بداعش، هو أكبر من عدد من قتل منهم على يد المليشيات الطائفية، حيث إن تلك الجماعات تكفر عموم المسلمين حتى من ذات مذهبهم طالما هم ليسوا من جماعتهم التكفيرية، فما هو المعنى العميق والدلالة الواقعية والرمزية لاضطرار السلطات في كل العالم لحماية المساجد من عدوان المسلمين عليها؟! الدلالة والمعنى يتضح بالمفهوم الطبي «لأمراض المناعة الذاتية» وهي أمراض تنتج عن خلل بالجهاز المناعي يجعله يتصرف بتهيج مفرط ضد أعضاء جسمه لأنه يعاملها كأجسام دخيلة مرضية ويقوم بمهاجمتها وهذا يؤدي لفشل بأعضاء جسده وبالتالي إهلاك كامل الجسد، فما الذي تسبب بهذا الخلل؟ الجواب على هذا السؤال يمثل العلاج الجذري والوقائي لظاهرة التكفير والإرهاب، فكل المعالجات الأمنية هي معالجات موضعية ولا تعالج أصل وسبب الخلل والمرض، فسبب الخلل والمرض هو؛ نوعية الثقافة السائدة التي تسوغ التجاوب مع الدعوات المتطرفة والعنيفة، والإقرار بحقيقتها يتطلب شجاعة لقولها.. وشجاعة لتقبلها، أما عندما تغيب الشجاعة الفكرية والمبدئية عن طرفي المعادلة فستبقى الظاهرة المرضية تعيث فسادا في جسد الأمة، فالإسلام ممثلا بالمساجد بات يحتاج لحمايته من تأويلات التطرف التي أدت للتهيج المفرط المرضي ضد أجزاء الأمة، وهذا لا يتحقق بمجرد استنكار العمليات الإرهابية ضد المساجد إنما بالمراجعات والمكاشفات الشجاعة حول جذورها وقوالبها وعزلها عن المناهج الإسلامية التعليمية وعن الخطاب الإسلامي الإعلامي ممثلا بنوعية من تتم استضافتهم في الإعلام والمحاضرات والدروس في المدارس والتجمعات الشبابية، والعمل على ترسيخ رؤية أكثر انفتاحا وسماحة وعقلانية وتعقيدا ومعاصرة ترى أن الفاعلية الصحيحة بالمجتمعات تكون بالوسائل المدنية والمعرفية.