-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
مع أن الجمهوريين والديموقراطيين في أميركا، ينطبق عليهم المثل العربي : «شهاب الدين ... من أخيه»، إلا أنه إحقاقا للحق، بينما يراوغ، بل وينافق الديموقراطيون ــ بمن فيهم رئيسهم الحالي ــ لكسب أصوات المسلمين الأميركيين في الانتخابات، نجد الجمهوريين ــ وإنما ــ يكشفون عن وجههم العنصري المتطرف، ولعل الذاكرة العربية السمكية (فالسمك لا يحتفظ في ذاكرته بشيء) تحاول الارتداد إلى الماضي القريب، لعلها تتذكر تصريح جورج بوش، عندما أعلن أن حربه في بلاد المسلمين (العراق) هي حرب صليبية، وذلك سعيا لكسب تأييد الأميركيين له، وقد كان، وحقق ما أراد من تقسيم للعراق.
واليوم يلعب المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية «دونالد ترامب» نفس اللعبة، ويعزف على نفس الوتر، وتر إثارة عنصرية الشعب الأميركي المتجذرة فيه، ضد المسلمين الأميركيين .

ففي تأكيد على الطابع العنصري لحملة «ترامب» الانتخابية، سجلت مجموعة من المتطوعين للترويج للمرشح الجمهوري المحتمل، مكالمات هاتفية للناخبين في ولاية «نيوها مشير» تطالبهم بتأييد ذوي البشرة البيضاء، وترفض وجود المسلمين، كما رصد تقرير إخباري بثته شبكة «سي . إن . إن» المكالمات المسجلة التي تصل إلى الناخبين في الولاية للترويج لصالح المرشح خلال الانتخابات الأولية للحزب. وقد جاء في إحدى الرسائل ما يلي : «لا نريد المسلمين، نحتاج إلى الأذكياء والمتعلمين وذوي البشرة البيضاء».
وأعتقد أن «العنصرية» ليست موجهة ضد المسلمين وحسب، فكلنا يعرف جرائم الشرطة الأميركية ضد المواطنين السود، فالقضية ليست محصورة في سياسة حزب بعينه، وإنما يتمتع الجمهوريون بصراحة، ووقاحة، بحيث يجاهرون بالعداء للمسلمين، مع أنني على يقين من أن الدول الإسلامية لو توقفت عن ضخ بترول لهم، وشراء أسلحتهم، لأفلس أغنياؤهم، ولمات فقراؤهم، وهو ما يدفعنا إلى أن نطرح هذا السؤال : إلى متى سيظل المسلمون في أميركا ــ وخارج أمريكا ــ غير مبالين بالانتخابات الأميركية، مع أننا لو كشرنا «فقط كشَرنا» عن أنيابنا، وأظهرنا بعضا من قوتنا، لخطب الجمهوريون قبل الديموقراطيين ودنا، بل ولهرعوا إلى حكامنا وقادتنا، يقدمون فروض الطاعة، خوفا وطمعا، تماما كما يفعلون في كل انتخابات، مع قادة إسرائيل وحكامها.
سنسمع في الأيام المقبلة عن تنافس شرس بين الجمهوريين والديموقراطيين من أجل تقديم المزيد من الوعود لإسرائيل، وصب اللعنات على المسلمين، في أميركا وخارجها.
لا تقل لي عزيزي القارئ : ما لنا والانتخابات الأميركية ؟ فلننظر إلى أحوالنا، ونصلح من شأننا، وأقول لك : إن الاهتمام بهذه الانتخابات، واتخاذ مواقف إيجابية للتأثير فيها هو «بيت القصيد» كما يقولون، ودعونا نجرب ــ ولو مرة واحدة ــ استغلال نفوذنا ومقدرات الأمة الإسلامية المنهوبة أميركيا، حتى إذا لاقينا الله تعالى، نقول : لقد فعلنا يا رب واجتهدنا، أما أن نقف موقف المتفرج، وعفوا إن قلت : المتفرج الساذج الذي لا يفهم مشاهد الرواية التي تعرض أمامه، وهو جزء لا يتجزأ من أحداثها وحبكتها، فهذا مرفوض تماما.
مطلوب تشكيل «لوبي» (تجمع، تكتل) لمسلمي الولايات المتحدة الأميركية يحظى بدعم إسلامي غير محدود من العالم الإسلامي، ليمارس دوره المؤثر في السياسة الأميركية.
نعم، هذا يتطلب أن يكون هناك حد أدنى من وحدة المسلمين، ولكن ليكن لنا في الاتحاد الأوروبي عبرة وعظة : شعوب تختلف مذاهبها الدينية اختلافا جوهريا، وتختلف أجناسها وأعراقها، لكن ــ على الأقل ــ جمعت بينها المصالح، فكونت قوة لا يستهان بها وبتأثيرها في الأحداث العالمية.
هذا ما أحلم به، وما ذلك على الله بعزيز.