-A +A
علي حسن التواتي
رد الفعل الوحيد على الأخبار المتواترة عن الانتشار الهائل في أمريكا الجنوبية لفيروس زيكا وانتقاله إلى أمريكا الشمالية وظهور بعض الحالات في أوروبا كان بيانا خجولا من وزارة الصحة ينفي ظهور أي إصابة في المملكة ويتحدث عن البعوضة الناقلة وأنها تتوطن أصلا في تنزانيا في أفريقيا ومنها انتقلت إلى الأمريكيتين وينصح المسافرين للمناطق الموبوءة بتوخي الحيطة والحذر.
ولكن ما لفت نظري في البيان هو الإشارة المهذبة للإجراءات الواجب اتخاذها في مواجهة الفيروس والتي وردت كالتالي (.. أن البعوض وأماكن تكاثره تمثل عاملاً مهماً من عوامل خطر العدوى بفيروس زيكا، وتعتمد الوقاية من المرض ومكافحته على تقليص أعداد البعوض عن طريق الحد من مصادره «إزالة أماكن تكاثره»، والحد من تعرض الناس للبعوض).

وهذا بيت القصيد فمكافحة البعوض وتقليص أعداده وإبعاده عن مواقع التجمعات البشرية وردم المستنقعات المسببة له ليس من مسؤوليات وزارة الصحة، بحسب ما يشيع بين العامة، بل من مسؤوليات وزارة الزراعة على وجه التحديد.
فوزارة الزراعة تعلم بأن البعوضة الناقلة للمرض (إيديس إيجبتاي) التي تنقل هذا الفيروس هي نفسها الناقلة لحمى الضنك والحمى الصفراء وحمى الوادي المتصدع. وهي موجودة في بلادنا أو شبيهة لها لأن إصابات حمى الضنك مازالت موجودة وإشارة وزارة الصحة لمكافحتها في بيانها لم تكن عبثا ولا إشارة عابرة بالرغم من تهوينها من المرض وآثاره وإمكانية انتقاله بين الأشخاص بالعدوى.
ولا تلام وزارة الصحة على محاولتها طمأنة الناس وإن تجاهلت التركيز على تأثير المرض المحتمل الأخطر على الأجنة في بطون أمهاتهم، حيث تتجه الأبحاث لفحص العلاقة بين إصابة الأم بالفيروس وولادتها لطفل يعاني من تشوهات تتسم بصغر حجم الرأس والمخ وعدم اكتمال النمو. وحتى يتم إثبات أو نفي هذه العلاقة فمن الأسلم قبولها على سبيل الوقاية.
وبالرغم من تحذير منظمة الصحة العالمية من الانتشار الكبير للفيروس في العالم ورفعها لمستوى المخاطر إلى أعلى الدرجات «عال بدرجة هائلة» على إثر انتشاره في 23 دولة وإقليما، إلا أن وزارة الزراعة كدأبها مذ عرفناها رغم تغير الوزراء تلتزم بشعارها الأزلي المرفوع «الصمت حكمة» بالرغم من الحكمة هنا بالكلام والكلام الكثير حدّ الثرثرة.
ولا يحتاج من يبحث عن تفسير لهذا الصمت لعمق تفكير أو ذكاء خارق أو دهاء ليتعرف على الأسباب الكامنة خلف هذا الصمت. فكل ما عليه الدخول على قاعدة البحث في أخبار قوقل ليقرأ ما يلي (تتعرض قرى وأحياء محافظة العارضة لدهم أسراب البعوض خاصة في فترات المساء وسط تزايد شكاوى السكان، وذلك بعد انتشار المستنقعات وبرك المياه التي خلفتها الأمطار والسيول مؤخرا. وأصبحت هذه المستنقعات بيئة خصبة لتكاثر وتوالد البعوض الناقل للعديد من الأمراض في ظل غياب عملية الرش الدوري والذي من المفترض أن تقوم به بلدية وفرع وزارة الزراعة في المحافظة.. أبدى المواطن محمد سفياني من سكان حي بطحان بالعارضة تخوفه وأهالي المحافظة من انتشار الأمراض الناتجة عن تزايد انتشار البعوض واستمرار المستنقعات التي خلفتها موجة الأمطار التي شهدتها المحافظة، مستذكرا ما مرت به المحافظة قبل 15 سنة عندما ظهر مرض حمى الوادي المتصدع، وكان نتيجة انتشار البعوض في ذلك الوقت مطالبا بإجراءات احترازية للوقاية من عودته.. دفع قلق سكان جدة من حمى الضنك، واستمرار معدلات الإصابة بها كل عام «وقت الصيف»، رغم عمليات المكافحة منذ أكثر من أربع سنوات، أمانة المحافظة والجهات المشاركة في المكافحة، وهي: الشؤون الصحية، وفرع وزارة الزراعة، إلى إعداد آلية جديدة لمكافحة البعوض داخل المنازل، من خلال شركات متخصصة.. هاجمت أسراب من البعوض غريب الشكل بأعداد كبيرة، صباح اليوم الأربعاء؛ مركز الحمرة في ظهران الجنوب، وسط تخوف الأهالي من شكله الغريب وغير المتوقع في مثل هذا الوقت من العام.. وقام الأهالي بإبلاغ فرع وزارة الزراعة في ظهران الجنوب؛ لتخوفهم من تكرار الأمر مرة أخرى، والتسبب في كارثة لا قدر الله، منوهين إلى مغادرة أسرابه إلى جهة غير معلومة، فيما أكد البعض أنه شوهد بالقرب من وادي العمل في سراة عبيدة.. وقال جبران القحطاني: إنه أثناء تواجده صباح اليوم، فُوجِئَ بوجود بعوض كبير الحجم بأعداد غفيرة، توجه بأحدها لفرع وزارة الزراعة في ظهران الجنوب لإبلاغهم.. وطالب أهالي الحمرة برش ومكافحة بقايا تلك الأسراب؛ حفاظاً على سلامة الأهالي ومواشيهم من نواقل المرض.. ناشد أهالي قنا فرع وزارة الزراعة بالمركز بسرعة التدخل للقيام بحملة مكثفة لمكافحة البعوض والحشرات، وذلك برش المبيدات في كافة قرى وأحياء مركز قنا. حيث لوحظ كثرة الباعوض والحشرات الضارة وانتشارها بشكل يقلق الأهالي لما تسببه من أمراض فتاكة كمرض «الملاريا» وغيرها من الأمراض الضارة بصحة الإنسان، الأمر الذي يتطلب من كل الجهات المعنية تكثيف الجهود للخلاص من هذه الظاهرة بشكل عاجل).
ولذلك يتجنب مسؤولو مكافحة الآفات في وزارة الزراعة الظهور للعلن حتى لا يتعرضوا لردود أفعال هم يعرفونها جيداً من المواطنين. وبالرغم من ذلك إن غلط كاتب ذات مرة ينبرون له بعبارات حفظناها عن ظهر قلب منها (الكاتب جانب الحقيقة ونم عن جهل بحقائق الأمور على الأرض ولم يكلف نفسه عناء الاستفسار من الجهة المعنية والتأكد من المعلومات المعطاة له إذا كان الهدف هو النقد البناء وتصحيح الأخطاء وليس القذف والاتهام)، ومنها أيضا (مواجهة أخطار مرض حمى الضنك بمحافظة جدة عن طريق العمل المشترك بين ثلاث جهات حكومية وزارة الصحة وزارة الزراعة ممثلة في هذه الإدارة.. خارج النطاق العمراني للمدينة «حسب اختصاص وزارة الزراعة» ووزارة الشؤون البلدية والقروية ممثلة في أمانة جدة).
والعبارة الأخيرة هي الأخطر في مثل هذه التصريحات حين يتم التركيز على عدد الجهات الحكومية كثلاث جهات حكومية أو ست جهات حكومية مشتركة في هذا العمل أو ذاك. فهذه العبارة تعني فيما تعني التنصل من المسؤولية بالدرجة الأولى وتحميلها لجهات أخرى.
كما تعني فيما تعني «لقد ضاعت مهمة مكافحة البعوض بين القبائل».