-A +A
علي حسن التواتي
من أغرب ما سمعت مؤخرا ما عبر عنه جون كيري وزير الخارجية الأمريكي في المؤتمر المشترك الذي عقده مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يوم السبت 24 يناير الحالي من قلق بلاده من استمرار دعم إيران لحزب الله ومن برنامج طهران الصاروخي، وما أفصح عنه من أن «حزب الله اللبناني يمتلك زهاء 80 ألف صاروخ» تسلم معظمها من إيران.
ورغم أن الوزير الأمريكي أراد من إعلان رقم عن ترسانة حزب الله الصاروخية الضغط على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية للتعجيل بشراء ونصب الدرع الصاروخي الذي تروج له الإدارة الأمريكية الحالية منذ أيام وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، إلا أن هذا الإفصاح كان مدعاة لإثارة المزيد من التساؤلات عن جدوى هذا الدرع موضع التسويق الأمريكي حتى آخر لحظة من وجود إدارة أوباما في البيت الأبيض.

فمن أهم التساؤلات: كيف يعلم كيري بهذا الرقم المخيف من الصواريخ التي يملكها حزب الله على حدود إسرائيل ويتركها تمضي هكذا؟ وبدلا من التعامل مع تلك الصواريخ لحماية إسرائيل التي أثبتت قبتها الحديدية المطورة بأموال وتكنولوجيا أمريكية عجزها عن حماية مستعمرات ومدن الأرض المحتلة القريبة من غزة وجنوب لبنان خاصة في حال ما قرر حزب الله إطلاقها على إسرائيل على شكل دفعات من مئة صاروخ في كل رشقة، فهل يضمن كيري أو حتى إسرائيل أن القبة الحديدية قادرة على إسقاطها كافة وأن عددا منها ينفذ ليصيب أهدافه؟ والغريب هنا هو بدلا من تفكير الوزير الأمريكي بهذا الاتجاه نجده يحاول أن يستخدم الرقم الذي أفصح عنه لإثارة الذعر في نفوسنا ونحن على بعد آلاف الكيلومترات من لبنان وكأنما مسألة حماية إسرائيل من 80 ألف صاروخ مسألة محسومة.
ورغم أن الوزير الأمريكي اكتفى بالإفصاح عن حجم ترسانة حزب الله الصاروخية إلا أنه صمت عن الإفصاح عن حجم الترسانة الإيرانية وكأنما هو يحاول حماية أسرار عسكرية إيرانية لا يريد أن يسلمها للأعداء مجانا ظنا منه أن رقم ترسانة حزب الله يكفي لإحداث التأثير المطلوب. وذلك بالرغم من أن التوقع سهل بالنسبة لحجم الترسانة الصاروخية الإيرانية، بافتراض صحة رقم ترسانة حزب الله. فلو اعتبرنا أن ترسانة حزب الله لا تمثل سوى 10% من ترسانة إيران فلن تقل الترسانة الإيرانية بحال من الأحوال عن 800 ألف صاروخ من مختلف الأنواع. ولمن يرى أن تقديري مبالغ فيه أجيبه بأنني أنا أيضا أرى أنه مبالغ فيه والسبب أن التقدير الذي يبنى على مبالغة لا بد أن تكون نتائجه مبالغة فيها، وتقدير الوزير كيري مبالغ فيه كثيرا من وجهة نظري. فهو يعني أن تحت كل بيت في لبنان الصغير مساحة وأرضا مخزنا لصواريخ حزب الله.
ولذلك سأتنازل عن تقديري للقوة الصاروخية الإيرانية وأخفضها للنصف أو حتى الربع أو لأعتبر أن إيران تؤثر حزب الله على نفسها وتحتفظ بصاروخ مقابل كل صاروخ تعطيه للحزب فهذا يعني أن لدى إيران 80 ألف صاروخ أيضا.
ولكن عدد الصواريخ ومداها ليس نهاية المسألة بل إن القدرة على إطلاقها وتوجيهها بنفس القدر من الأهمية، وبحسب مصادر متعددة فإنه بمقدور إيران إطلاق 600 صاروخ على الأقل من طرازات مختلفة كدفعة أولى في أقل من دقائق؛ كما أن الدفعات الأخرى ستعقب الدفعة الأولى وستكون من أماكن أخرى حيث إن لمنصات الإطلاق قابلية الإخفاء والتمويه في المدن الساحلية والجبال وفي القوارب وعلى الجزر التي تحتلها إيران من مدخل الخليج إلى رأسه.
وما يعلمه الوزير كيري جيدا أنه خلال صيف عام 2002، في الفترة التي سبقت غزو الرئيس بوش للعراق، قام الجيش الأمريكي بتمرين لعبة حرب مفصلة ومكلفة سميت «عملية تحدي الألفية» خطط لها على مدى سنتين وكلفت حوالى 250 مليون دولار واستخدمت فيها برامج محاكاة كمبيوترية لمعركة مع القوة الحمراء المفترض أنها إيرانية في 17 موقعا في الخليج العربي. واستمرت حرب المحاكاة ثلاثة أسابيع ليتمكن الضابط الأمريكي الذي يقود «العدو» - «القوة الحمراء» الجنرال بول فان ريبر، الذي لعب دور زعيم مخبول ولكنه ماكر للدولة المارقة الافتراضية في الأيام الأولى من (تدمير الأسطول الأمريكي وإرساله إلى قاع الخليج العربي) وكانت نتيجة التمرين أن التكتيكات التي اعتمدتها البحرية الأمريكية لو طبقت في حرب مفترضة في الخليج ستنتج (أسوأ الكوارث البحرية الأمريكية التي تحل بأمريكا منذ بيرل هاربور).
ولذلك حتى لو أقرت دول المجلس شراء المنظومة الدفاعية الصاروخية الأمريكية فإن ذلك لا يغني عن تطوير منظومة ردع هجومية متنوعة صاروخية وجوية وبحرية وبرية لرد الصاع صاعين إن لزم الأمر، فمن يدمر لي بيتا لا بد أن أكون قادرا على أن أدمر له مدينة في المقابل، ومن يدمر لي مصنعا لا بد أن أكون قادرا على أن أدمر له مجمعا صناعيا.
ولعل هذا ما يعول عليه الوزير الأمريكي في الدفاع عن إسرائيل حيث تم تزويدها بأسلحة ردع هجومية هائلة تجبر من يحاول الاعتداء عليها على التفكير بالثمن الباهظ الذي سيدفعه قبل الإقدام على أي فعل متهور.
وعلى هذا، لماذا لا يفكر الوزير الأمريكي معنا كصديق صدوق كما يقول في تطوير قدرات هجومية رادعة بدلا من محاولة تجريدنا منها وإطلاق يد إيران مع إجبارنا على التوقي من ضرباتها؟ فلسان حاله الآن يقول دعوا إيران تطلق صواريخها ودافعوا عن أنفسكم لتحققوا نجاحا في صد معظمها أما ما ينفذ منها ويدمر أهدافا في بلادكم فلا بأس فقد خففتم من الضرر!؟