-A +A
علي حسن التواتي
لنتفق في البداية على أن أرامكو تعتبر جوهرة التاج في الصناعات السعودية وأنها مرشحة لتكون جوهرة التاج في الصناعات النفطية العالمية. ولنتفق أيضا على أن الأرقام التي أوردتها جريدة (وول ستريت جورنال) من أن أرامكو تنتج نحو 10 % من الإنتاج العالمي اليومي للنفط وأنها تحتفظ بشبكة كبيرة من المصافي النفطية والمعامل البتروكيميائية في طول العالم وعرضه، وأن طاقتها الإنتاجية اليومية تصل إلى 12 مليون برميل حتى لو أنتجت عشرة ملايين فقط وهي طاقة إنتاجية هائلة لا تتوفر لغيرها من الشركات النفطية في العالم، وأنها بموظفيها البالغ عددهم (55) ألفا تعتبر الموظف الأكبر في المملكة بعد الحكومة السعودية ذاتها.
ولكن حين تطرح الوول ستريت جورنال وغيرها من وسائل الإعلام العالمية قيمة تقديرية لأرامكو تصل إلى 10 ترليون دولار وتقارنها بقيمة كبرى شركات النفط غير الحكومية (إكسون) البالغة 317 مليار دولار وبأنها تفوقها بعشرين مرة، علينا التوقف مليا عند هذه التقديرات التي تنسب إلى مستشار سعودي نفطي سابق يطرح نفسه للإعلام كخبير نفطي، ونحاول أن نفهم ما دعاه لرمي هذا الرقم لتستخدمه وسائل الإعلام الاقتصادية العالمية كمرجع منسوب لرجل قضى عمره في تقديم الاستشارات في وزارة البترول والثروة المعدنية.

فيبدو أن مستشارنا النفطي بحكم شغله لوظيفة حكومية مدة طويلة، اختلط عليه الأمر فلم يفرق بين ملكية الحكومة لأرامكو كشركة وبين ملكية الحكومة لحقول النفط السعودية باحتياطياتها التي تصل إلى 261 مليار برميل، فأدخل هذا في هذا وظهر علينا بهذا الرقم المبالغ فيه بشكل كبير.
نعم فالحكومة السعودية تملك أرامكو حاليا ويمكن أن تطرحها كاملة للاكتتاب كشركة مساهمة سواء على المستوى الوطني أو على المستوى العالمي، ولكن يجب أن نتنبه جيدا إلى أن حقول النفط واحتياطياتها ملكية حكومية عامة، وأن أرامكو تحظى بامتياز استخراج النفط منها بموجب عقود خاصة بينها وبين الحكومة السعودية مقابل رسوم متفق عليها، وأن بإمكان الحكومة أن تمنح امتيازات أخرى لاستغلال نفس الحقول أو بعض منها بنفس الشروط أو شروط غيرها لعشر شركات أخرى إن أرادت. ولقد حدث هذا فعلا في وقت سابق مع شركة جيتي اليابانية لسنين طويلة قبل أن يسحب الامتياز منها ويضاف لامتياز أرامكو. فما الذي يمنع الحكومة من إعادة توزيع الامتيازات على عدة شركات منها أرامكو..
إن من يرغب في عمل تقديرات لقيمة شركة أرامكو، يجب أن يركز على أصولها وبراءات اختراعها وملكياتها الفكرية وشراكاتها العالمية وإمكانات نموها المستقبلية، أما الخلط بين الأمور وإدخال حقول النفط والاحتياطات المثبتة المتوفرة فيها ضمن التقييم، فهو خطأ كبير يجب تجنبه لمن يرغب في تقدير دقيق لقيمة الشركة. فشركة إكسون الأكبر في الشركات غير الحكومية النفطية تملك امتيازات استخراج من احتياطيات تقل عن 14 مليار برميل. وأرامكو تملك حاليا امتيازات على كامل احتياطي المملكة النفطي بصفتها الشركة الحكومية الوحيدة. ولكن عند التخصيص بأي نسبة كانت يجب التأكيد على فصل ملكية الدولة لأرامكو عن ملكيتها للحقول، فملكية الدولة لأرامكو مسألة تجارية يمكن أن تتنازل عنها جزئيا أو كليا بالتخصيص، أما ملكيتها للحقول النفطية وما يتوفر فيها من احتياطيات فمسألة سيادية غير قابلة للبيع أو التنازل، وكل من يكتتب في شركة نفطية تعمل داخل المملكة سواء كانت أرامكو أو غيرها يجب أن يعرف هذه الحقيقة جيدا كما يجب التأكيد عليها بدل المرة ألفا، بأن أي ملكية مهما بلغ حجمها وقيمتها لأسهم في شركة نفطية عاملة في البلاد لا يعني ملكية لحصة في الحقول والاحتياطيات، ولقد رأينا هذا في بيان عملي حينما ألغي امتياز شركة جيتي..
ولذلك، أنصح نفسي أولا، وأنصح كل الاقتصاديين والإعلاميين والخبراء ومن يعدون أنفسهم خبراء، بتجنب الطروحات التي لا تخدم الأغراض التي تطمح إليها الدولة من وراء الطرح الجزئي أو الكلي للشركات الحكومية للاكتتاب العام، فالمبالغة بتقديرات قيمة أرامكو وإدخال ما لا تملكه ضمن ما تملكه سيضعنا وجها لوجه أمام مشاكل حقوقية معقدة.
ولعل هذا ما أعجب المحللين والإعلاميين الأجانب في تقديرات الترليونات العشرة، فطبلوا لها أو سكتوا عن حسن نية أو سوئها وهم يعلمون بمجانبتها للواقع.
وإني لواثق تمام الثقة بأن لدى الحكومة السعودية وشركة أرامكو السعودية من الموارد الكافية ومكاتب الاستشارات الاقتصادية والقانونية المحلية والدولية، ما يمكن أن يجنبها أية تعقيدات محتملة في طرح الشركة كليا أو جزئيا للاكتتاب، وما هذه المقالة إلا للتذكير عملا بقوله تعالى: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} [سورة الذاريات: 55].