-A +A
ثمر المرزوقي

إن مما يجب التذكير به لكل من قرأ مقال الدكتور علي الموسى، بعنوان: «سؤال صريح لسدنة الخطاب الشيعي في الداخل»، المنشور في صحيفة الوطن مؤخرا. أنه لا يختلف بأي شكل من الأشكال عن خطبة الداعية محمد العريفي، والتي كانت تسأل عن دور الكتاب في مواجهة دعواتٍ زعمت الثورة حينها باسم «حنين»، وكان قد رد عليها الدكتور علي بنفسه قبل أربعة أعوام، وتحت عنوان: «العريفي: كيف عاد الوطن في خطبة الجمعة» - الوطن 11/4/2011 - قال: «وليسمح لي صاحب الفضيلة إن قلت إن الخطبة النارية تنضح بكل ما يمكن من التحريض الرخيص، مثلما تفضح هذه الانتهازية المفرطة في استغلال قصة وطنية لاستعراض المواقف، بل وفي المساومة على ثمن هذه المواقف». وليسمح لنا صاحب الدرجة الأكاديمية إن سألنا: وماذا يمكن أن نسمي سؤالكم في المقالة النارية التي كتبتموها مؤخرا؟

موبقات ثلاث جاءت في المقال، أولها، وهو -ولم يبتدعها بطبيعة الحال أكثر من كونه يعيد إنتاجها – تلك التي تعزز من الحالة الطائفية بدعوى مواجهتها. إن في الوقت الذي تمارس فيه الميليشيات الطائفية جرائمها، فهذا ليس بمعزل عن رؤيتها الرئيسة للمواطنين كعناصر ضمن مجموعات أهلية لا كأفراد خارجين عنها، وهو ما يدعمها بقوله: «نحن إخوانكم، في المذهب السني... ». إن «نحن» هنا، تؤسس بطبيعة الحال لمتقابلات: «نحن / هم»، أي جماعات أهلية متناقضة، وهذا ما يساهم في رفد تلك الجماعات بإطار يمكنها من التوغل والانتشار اجتماعيا.

أما ثانيها، وانطلاقا من إيمانه بأن: «هذا الدين العظيم تبنى الحرية بمعنى أسمى لترجمة الليبرالية» – الوطن 14/11/2012- وذلك في إشارة منه حول إيمانه العميق بالليبرالية، تكشف لنا عن تهافت الخطاب الليبرالي السعودي. إن الليبرالية التي يتم تصديرها من خلال هذا الخطاب، لا تأتي في معنى المواطنة المتساوية، والتي بالطبع تحيد هويات الفرد الدينية وغيرها عن المخيلة.. بل على العكس من ذلك، هي في معنى قمع هذا الفرد في حرية الاختيار، واختزاله إلى تابعٍ لطائفة!، وعلى هذا لا يمكن أن يُفهم أو يفسر أي موقف له خارج طائفته، وهو عنصر في هذه الجماعة، وهذا نقيض للمواطنة، وفي معنى أن يكون المواطن. فعن أي ليبرالية وحرية كان يحدثنا؟

وآخرها.. الوطنية المزعومة. إن من شأن طلب الدكتور علي من صديقه في أن يرصد له: «ما كتبته أقلام مجرد 7 أسماء من مفكري وكتاب ودعاة المذهب الشيعي» في السعودية عن أحداثٍ إقليمية مجاورة، وهو الذي كان يبدو مستبشرا في مقالٍ له نشر بعنوان «ألوان السعودية» – الوطن 17/12/2013-، يكشف لنا أيضا عن عدم استطاعته تخيل أنه ثمة وجود لمواطن «سعودي» أو لنقل: وجود لوطن له حدود تتوقف عند عرعر شمالا واسمه «السعودية».. لاسيما وهو يتجاوزها وبعدد من مواطنيه في رحلة من التقصي والبحث عن مواقف لهم خارجها، ذلك أنه لم تستطع هذه الهويات الوطنية المحلية وحدودها بدون إعادة تعريفها «بالعروبة» في التغلب على المشكلة الطائفية العابرة، ومهما حاول الدكتور في الحديث عنها كحقيقةٍ واقعية -وكما جاء في مقاله عنها- وبمثابة الألوان الجميلة الزاهية، فإنها لا تعدو عن كونها قطعة أدبية جميلة لا تصمد أمام الأزمات، وهو يؤكد هذا في مقاله الأول!

إن الأحزاب العلمانية اللبنانية -على سبيل المثال- بعد أن كانت في يومٍ من الأيام ميليشيات طائفية مسلحة، هي اليوم وبدون أي سلاح -ودون خطابات تحريضٍ أو كراهية في كثير منها- تحافظ على بقاء النظام اللبناني على أساس التوازنات الطائفية.. لاسيما وقد تأسست معها شبكة واسعة من المصالح الخاصة التي ينتفع زعماؤها منها، وهم ليسوا أيضًا من المجال الديني. وعلى هذا، تكونت وتشكلت -وفي موازاة لهم- أذرعة إعلامية وكتاب ومثقفون يساهمون جميعا في المحافظة على هذا النظام وهذا النمط الذي يبقي لبنان على صفيح ساخن، وجمر مشتعل من تحت الرماد تحاول الرياح بين وقت وآخر في إشعاله وتفجيره، لولا أن شيئا من السياسة، وشيئا من القدر يحول دون ذلك. فهل هذا ما يوده الدكتور علي في أن تكون لبنان أنموذجا يحتذى به؟، ونصل إليه؟