-A +A
علي حسن التواتي
لا شك بأن لمؤسسة النقد العربي السعودي دورا فريدا من نوعه على مستوى البنوك المركزية الإقليمية والعالمية بالنسبة للبنوك المركزية التقليدية لأسباب يطول شرحها، وأملتها طبيعة الاقتصاد السعودي وحجمه ومسؤوليات إدارة أصوله وتنظيمه محليا وعلى الصعيد العالمي.
ولكن موضوع مقالتي اليوم ليس التعمق في هذا الدور وتوصيفه، بل التنبيه للجانب التوعوي والإعلامي الذي لا يقل أهمية عن كافة الأدوار المناطة بالمؤسسة. فمن الواضح أن المؤسسة على مدى عمرها المديد كانت منفتحة على الجمهور حينا ومنغلقة أحيانا. ويبدو أننا نمر الآن بمرحلة من مراحل الانغلاق وفقدان الشهية بالاتصال بوسائل الإعلام خاصة في أمور تحتاج للإيضاح. فليس في الصمت حكمة خاصة حيث يجب الكلام، وبالذات لنفي شائعة أو إيضاح مسالة غامضة.

فقد تزايد الكلام قبل إعلان ميزانية 2016 من لجوء الحكومة لتمويل عجز الميزانية من خلال تغيير معدل صرف الريال مقابل الدولار بإضعاف الريال وبيع دولارات أغلى للمشترين خاصة الموردين لتخفيف العبء عن الخزينة العامة للدولة في دعم سعر الصرف الثابت منذ عقود.
ولكن مع إعلان الميزانية وتأكد الجميع من أن الحكومة جادة في إحداث إصلاحات جذرية في مسألتي الإنفاق الحكومي وحجم الدعم المقدم للعديد من السلع الأساسية دون المساس بمعدل الصرف مقابل الدولار ازدادت الثقة بالريال السعودي لتقفز قيمته في العقود الآجلة لأعلى مستوى بلغته في 16 سنة.
ولكن ما لبثت الشائعات أن اجتاحت الأوساط الاقتصادية العالمية بأن التطورات المستجدة في الآونة الأخيرة ألقت بظلالها مرة أخرى على معدل الصرف وعلى قيمة الريال المستقبلية وأنه يمكن أن تلجأ الدولة لتغيير معدل الصرف أو حتى تعويم الريال.
ورغم ثقتنا بأن الدولة قادرة على الحفاظ على معدل صرف الريال مقابل الدولار إلا أن اللغط الذي يدور يتطلب من المؤسسة أن تنهي حالة الصمت وتطمئن المواطنين على ثبات خطواتها.
وبالمقارنة، فقد لجأت رئيسة الاحتياطي الفدرالي الأمريكي للتلميح باعتزامها زيادة سعر فائدة الأساس قبل رفعها بثلاثة أشهر وتحدثت عن مرحلية الرفع ووقتته مع صدور خطة التيسير المالي من الكونجرس الأمريكي التي تضمنت إنفاقا كبيرا وتخفيضات ضريبية وإعانات صحية فعوضت عن تقليل التيسير النقدي بتيسير مالي أجهض خطط المضاربة على الدولار وسبب خيبة أمل لأوروبا ودول شرق آسيا التي كانت تعول على ارتفاع هائل في سعر الدولار لتنمي صادراتها، لتضطر هي بدورها للجوء لخطط تيسير خاصة بها لانتشال اقتصاداتها بنفسها بدلاً من الركوب المجاني في حافلة الدولار.
ولذلك آمل أن تفصح المؤسسة عن خططها المستقبلية فيما يتعلق بمعدل صرف الريال مقابل الدولار وتمهد لأي قرار سيتخذ إن كانت تعتزم اتخاذه أو تنفي الشائعات نفيا قطعيا لطمأنة المواطنين والمستثمرين وألا تعتمد على التسريبات التي يمكنها التملص منها فيما بعد.
كما يجب ألا يقتصر تواصل المؤسسة مع الإعلام على هذه الحالة أو تلك بل لا بد من تعيين ناطق رسمي يظهر مرة واحدة في الأسبوع على الأقل لإلقاء الضوء على المستجدات الاقتصادية التي نحصل الآن على معلوماتها منقوصة أو مشوهة من مصادر أجنبية قد يكون بعضها مغرضا ويعرضها بأسلوب مسيء لا يعكس حقيقتها.