-A +A
بشرى فيصل السباعي
المسلمون جزء غير منفصل عن بقية العالم، ولهذا أي تيار يظهر فيهم له نظير في بقية العالم، وإن اتخذ صورا مختلفة، وعلى سبيل المثال؛ النكوص لعصور البدائية والهمجية ومفاهيمها وأنماطها التي ظهرت في داعش وأمثالها يمكن أن نرى نظيرا لها في الثقافة الأدبية والترفيهية الغربية، التي سادتها خلال العقدين الماضيين روايات وأفلام ومسلسلات العصور البدائية والهمجية، سواء بتصوير واقعي كما في تلك التي تتناول الحياة في ظل الامبراطورية الرومانية وما قبلها وأوروبا العصور الوسطى، أو تلك التي تجري أحداثها في أجواء تلك العصور لكنها من نوع الفانتازيا.
وسبب هذه الظاهرة بفرعيها الفعلي لدينا، والرمزي الفني لدى الغرب، هو أن العالم المعاصر ليس لضعاف القلوب والعقول، فهو عالم بالغ التعقيد والصعوبة، وتحقيق الإنسان للطموح والمكانة والدخل بات يتطلب دراسة تستمر لقريب منتصف العمر، وتبعا لذلك تأخر سن الزواج وبدء الإنسان لحياته العائلية والعملية، والتخصصات باتت بالغة التعقيد والصعوبة، ولم تعد مجرد حفظ وتسميع للحصول مسمى شهادة، وبالتالي وظيفة حكومية تتطلب القدر الأقل من العمل والتفكير، وهي بمثابة بطالة مقنعة.

فسوق العمل بات يحدد التخصصات التكنولوجية المطلوبة وباتت هناك منافسة حادة ومتطلبات صعبة لدخول الجامعة، فهناك من كانت نسبتهم قريبة من المائة الكاملة، ولم يقبلوا في الجامعة بسبب عدم نجاحهم باختبارات القياس! وما عادت هناك مسلمات ثقافية مبسطة مثل تقسيم العالم لمعسكري «نحن» و«هم»، فمن «نحن»؟ فبسبب حركة الهجرة الكثيفة إلى أسواق العمل في الخارج امتزجت الشعوب والأديان والأعراق، وبات كل شعب عبارة عن نسخة مصغرة عن البشرية بكل تنوعها، وهذا جعل التفاعل مع بني المجتمع الواحد معقدا ويتطلب حساسية نفسية وثقافية متقدمة وذكاء اجتماعيا وعاطفيا عاليا، بينما نموذج الحياة بالماضي كان قبليا بسيطا ولا يتطلب من الإنسان ما يتطلبه العصر الحالي من تأهيل علمي وعملي وثقافي.
ولهذا، هناك حنين للنموذج البدائي البسيط للحياة والمفاهيم، خاصة في ظل غياب رؤية أخلاقية ثقافية جذابة ملهمة معاصرة، لها جاذبية نماذج العصور الماضية التي صاغتها التصورات الطوباوية الشاعرية، ولعله لو أمكن لأحد من الماضي السفر عبر الزمن للحاضر ليرى أهل حاضرنا الرائع، الذي حتى الإنسان العادي فيه يعيش عبر التكنولوجيا وخدمات الدولة الحديثة رفاهية أكثر من التي كانت للملوك في الماضي وكل القيم الحضارية الحقوقية الراقية، لاعتبر أن أهل العصر أصابتهم لوثة عقلية لحنينهم للماضي الذي يعرف من قرأه أنه ليس فيه ما هو مثالي وطوباوي.