-A +A
بشرى فيصل السباعي
مجرد كون المنطقة العربية والاسلامية من أكثر مناطق العالم معاناة من العنف الجماعي متمثلا في الصراعات الاهلية وتجاوزات العنف الفردي المادي والمعنوي على كل صعيد يدل أن هناك معضلة اساسية في الثقافة السائدة في هذه المنطقة، وأهم عنصر مؤسس لسلبية الثقافة السائدة يتمثل في الاستهانة بالآثار الخطيرة والمدمرة للصدمات النفسية في كل مراحل العمر لكن في مقتبل العمر بشكل خاص والتي تنتج عن الجفوة العاطفية أو التعنيف، فالإرهابي الامريكي «تيد كازنسكي» الذي استمر بإرسال وزرع المتفجرات من سبعينيات الى تسعينيات القرن الماضي وقتل بها سبعة وعشرين امريكيا، كان طفلا عبقريا والتحق بجامعة هارفرد في عمر ستة عشر عاما وحصل على الدكتوراه بالرياضيات وعمل استاذا جامعيا لكنه استقال بعد سنتين واعتزل بكوخ في غابة.
وتوصل العلماء بدراستهم لحالته خاصة بالاستعانة برسائل المكاشفة التي ارسلها لأهله والتي أخبرهم فيها بكل ما في نفسه تبين أن سبب الانحراف الذي حصل له هو تعرضه لصدمات نفسية شوهته وعوقته وجعلته غير قادر على التعايش مع الناس والعالم، فأول تغير طرأ على شخصيته بسبب صدمة نفسية حصلت بعمر تسعة أشهر عندما اصابه طفح حاد فتم تنويمه بالمستشفى لشهر وكانت سياسته تقضي بعدم بقاء مرافق مع الطفل، وفي البداية كان يبكي لأجل ان يذهب مع أمه لكن وكما سجلت امه بمذكراتها أنه بعد عودته للبيت وجدت شخصيته تغيرت بالكامل وبات غير متفاعل وغير متجاوب عاطفيا، ومن يومها توقف عن البكاء وعن التعلق بأمه أو بأي أحد.

ولهذا باتت حاليا هناك سياسة بأمريكا تلزم أحد الوالدين بالبقاء مع الطفل عند تنويمه بالمستشفى، فما أصابه هي الحالة التي تنتج السيكوباتية لدى الاطفال وتسمى في علم النفس Reactive attachment disorder RAD «متلازمة التعلق التفاعلي» وتحصل عندما يتعرض الطفل خاصة دون الثلاث سنوات لصدمة جفوة الكبير الذي يكون تعلق الطفل العاطفي به من المسلمات كالأم، وأخف اعراضها إضرارا بالآخرين هي؛ التبلد العاطفي وعدم التواصل البصري ومقاومة تكوين علاقة وجدانية مع الأهل والأقران، وقد تصل تبعات واعراض هذه الحالة حتى بالطفولة إلى الاستمتاع السادي بتعذيب وقتل الاطفال الأصغر والحيوانات، والصدمات الأخرى تمثلت في تنمر الاولاد عليه بالمدرسة أي قيامهم بضربه والتسلط عليه واضطهاده، وللأسف ان الثقافة السائدة بمنطقتنا تتعمد احداث صدمات لدى الطفل بزعم ان هذا ما سيجعله رجلا!
ملاحظة: اضطررت للاستعانة بمثال لإرهابي امريكي لعدم توفر دراسات على الارهابيين العرب.