-A +A
بشرى فيصل السباعي
الإنسان كائن بالغ التعقيد ومكون من مزيج من الطبائع والتأثيرات والتفاعلات التي تنتج كيمياء حاله النهائي، ولهذا لا توجد أي ظاهرة لها تفسير وسبب أحادي، ولذا لظاهرة كالإرهاب عوامل مختلفة مباشرة وغير مباشرة، ظاهرة وباطنة، واعية ولا واعية، خاصة وعامة، وملاحظة بعض مفارقات الإرهاب الذي يقوم به مسلمون، تلفت النظر للطبقات والعوامل والمسوغات الأكثر خفاء في هذه الظاهرة، ومن ذلك؛ أنه بات من الملاحظ منذ بدء العمليات الإرهابية التي يقوم بها مسلمون ضد المجتمعات غير المسلمة، أن تلك العمليات الإرهابية لا تستهدف الدول غير المسلمة التي تعرض ولا يزال يتعرض فيها المسلمون لأقسى ممارسات الاضطهاد العام، لكنها وللمفارقة تستهدف المجتمعات الغربية التي يعامل فيها المسلمون بعدالة ومساواة كاملة وبأفضل مما هي عليه أحوال نظرائهم في بلادهم الأم، وكانت تلك العمليات الإرهابية قبل حقبة الألفية الجديدة والتدخلات العسكرية للدول الغربية في دول إسلامية، بسبب قيام الجماعات الإسلامية باستهداف الدول الغربية بعمليات إرهابية على أراضيها.
والسبب بتفضيل المسلمين اقتراف العمليات الإرهابية ضد الغرب قبل أن يقوم الغرب بأي عمل عدواني معاصر ضد المسلمين، والإعراض عن اقتراف مثلها ضد الدول غير الغربية، يتضح بالتأمل بقصة ابني آدم قابيل وهابيل المذكورة بالتوراة والقرآن، فقابيل كان مزارعا، أما هابيل فكان مربي مواش، وفي يوم قررا تقديم قربان لله، فقدم هابيل أفضل ما لديه كقربان، وقدم قابيل ما عافته نفسه، فتقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل لأن الله ينظر إلى الأصل الذي تولد عنه القربان في أعماق صاحبه وليس إلى ظاهره، فاغتاظ قابيل لعدم تقبل الله لقربانه وقام بقتل أخيه الذي تقبل الله قربانه، فالذي حصل أن قابيل شعر بالدونية بالمقارنة مع أخيه الناجح هابيل، وغرور الأنا الكسول لدى قابيل توصل لأن الطريقة الوحيدة لكي يتخلص من شعوره بالدونية هي بأن يقتل من نجاحه وامتيازه يشعره بالدونية، وهذا بدلا من أن يصلح أنماطه السلبية التي جعلته في مكانة دونية.

فغرور الأنا أراد أن يشعر بعدم الدونية بدون القيام بالأعمال التي تزيل عنه الحال الدوني، ودونية حال قابيل لم تتغير بقتله صاحب حال النجاح والامتياز، بل أضيفت دونية إضافية لدونيته الأصلية، كما أن غرور الأنا يوهم صاحبه بأن استعلاءه بالقتل والتدمير على صاحب حال النجاح الأعلى يجعله فوقه. فاستهداف الغرب يحقق لغرور الأنا لدى الإرهابيين المسلمين ما حققه نفسيا قتل قابيل لهابيل.