-A +A
بشرى فيصل السباعي
من فطرة النفوس حبها لأن تكون موضع قبول واحترام لدى الآخرين ولهذا كثير من الناس يمتنعون عن كثير من السوء على الأقل ظاهرا فقط لكي لا يفقدوا قبول واحترام الآخرين لهم وليس لديهم محرك ودافع ذاتي للتحلي بالمثل العليا بشكل حقيقي، وحال هؤلاء وإن لم يكن مثاليا فهو أفضل من الفجور الذي لا يبالي صاحبه برأي الناس به خاصة إن كان فجوره يتمثل في عدوانه المادي والمعنوي على الآخرين، كما هو الحال مع الأفراد والفئات والجماعات التي تمتهن العدوان على حدود وحقوق وحرمة وكرامة الآخرين، فمثل هؤلاء يفتقرون لمنظومة التحضر والرقي والمثل العليا بل وتصل ببعضهم الوقاحة والبجاحة لدرجة توهم أن سوءهم هذا هو حسن، وأذيتهم هي نفع، وباطلهم هو حق، ولهذا لا يمكن حتى مجادلتهم بأن اتباع سلوكيات حسنة هو أفضل لأنهم يخادعون ضمائرهم وعقولهم بما يوهمون به أنفسهم ومن يؤيدهم ويقتدي بهم، وفي غياب القدرة على وضع حد قانوني ومادي لأنماطهم السلوكية السلبية يبقى أقوى ما يمكن به وضع حد لسلوكياتهم السلبية يتمثل في وصمهم بهذه الكلمة الجبارة المكونة من ثلاثة أحرف وهي؛ «همج»، فهي تترك انطباعا مؤلما نفسيا بالرفض والاستنكار والاحتقار الذي يمكنه أن يردع من في وجهه وخلقه ولو ذرة حياء ويدفعه للتصرف بمعكوس سلوكه السيئ ليثبت أنه ليس «همجيا»، وقد قال النبي (إن لكل دين خلقا، وخلق الإسلام الحياء)، والحياء هو: الوعي بالذات وتقييمها وفق مرجعية المثاليات العليا، مما يشعر الإنسان بالخزي والعار إذا تصرف بشكل يخالف تلك المثاليات العليا «المثالية بحق»، وكل ما هو «مثالي بحق» يكون مستحسنا بالفطرة لدى عموم البشر مثل الصدق والعدل والرحمة، فهناك ما يتم الزعم أنه مثالي وإن كان في غاية السوء مثل العنصرية والتعصب والاستعلاء والقسوة والعدوان والعنف والفحش التي ينسبها أدعياء الدين للدين لكي يتهربوا من استنكار الناس لها خوفا من تنفرهم عنهم، غير مبالين بأن عددا أكبر تنفر عن الدين بالكلية بسبب زعمهم هذا، ورغم أني شخصيا لا أعتقد أن وصم الناس بأوصاف مسيئة وجارحة هو نمط حسن بل هو نمط سلبي لكنه كمشرط الجراح لا يستعمل إلا في الحالات التي لا علاج لها سوى به خاصة مع وجود تهديد من هؤلاء لسلامة وحياة الآخرين، مع العلم أن الاستراتيجية الإيجابية طويلة الأمد هي: تكريس المثاليات العليا ليس فقط كقيم معنوية إنما أيضا كنظم وقوانين محلية ودولية.