-A +A
بشرى فيصل السباعي
في عصرنا الحالي عصر البرامج التلفزيونية والاذاعية والمواد المسجلة عبر الوسائط المختلفة بالإضافة للوسائل التقليدية لتلقي العلم بالسمع كالخطب والدروس والمحاضرات يتوهم كثيرون أنه يمكن الاحاطة بعلم وفكر الشخص أو حتى كامل التيار والمشرب الذي يفترض انه يمثله من مشاهدة برنامج أو حضور خطبة او محاضرة، وعن تجربة شخصية أقول إن ما يؤخذ من غير الكتب المؤلفة لا يفيد في بناء حصيلة علمية وفكرية وثقافية ولا تكوين رأي قيم صائب ولا يعدو أن يكون أثره هو فقط بناء انطباعات عامة عن صاحب العلم وغالبا ما تكون مضللة لأن الانسان بطبعه يصعب ان يكون في حال حضور ذهني كامل أثناء وجوده في محفل عام أو مشاركته المسجلة أو المصورة ولهذا هو نفسه يصبح قناة توصيل غير دقيقة لفكره وعلمه وثقافته، وتجربتي في هذا الأمر أني اردت ان احيط بأكبر قدر من العلوم والمعارف والفكر بكل اطيافه وفي أقل وقت ممكن، وتهيأ لي ان مطالعة المواد المسجلة لأعلامها ستختصرها لي وتعطيني عصارة وخلاصة فكرهم وعلمهم، لكن عندما قارنتها بكتبهم وجدت أني ضيعت وقتي في الاستماع إليها ومشاهدتها ولم تحصل لي استفادة تذكر منها بل على العكس تماما، فهي صدتني احيانا عن كنوز من العلم والفكر لأن انطباعي عن صاحبها كان سلبيا لكون كلامه كان عاديا تماما ولم يكن موصلا جيدا لحقيقة علمه وفكره التي توجد فقط في مؤلفاته التي ألفها بنفسه وليس التي تكون عبارة عن مجرد تفريغ أو كتابة لمضمون مواده المسجلة، ومن يومها قررت التخلي بالكامل عن متابعة المواد المسجلة بأي واسطة كانت والاعتماد على الكتب فقط، والفارق هو تماما كالفارق بين الفاكهة الطبيعية والاصباغ والنكهات الاصطناعية التي تحاكي ظاهر الطبيعية لكنها لا تحمل شيئا من فوائد الطبيعية، وبالنسبة لظاهرة التطرف والارهاب المستمرة بوتيرة متصاعدة الشدة والحدة منذ ثلاثة عقود فقد قيل إن سببا اساسيا من اسبابها هو انتشار المواد المسجلة التي توهم الشباب المتلقي أنه اكتسب علما وفهما كافيا ليعتقد بل ويوقن بشكل قطعي ان قناعاته صائبة بشكل مطلق لدرجة قتل الابرياء عليها، بل والأنكى لدرجة قتل حتى العلماء والحكماء والمفكرين لأنه استمع لمواد مسجلة لخصومهم ولدت لديه انطباعات سلبية عن علمهم وفكرهم ولم يقرأ مؤلفاتهم ولو قرأها لادرك مدى نقص علمه ومعرفته وقصور فكره ولتواضع وما تجرأ على فرض قناعاته بالترهيب والعنف المادي والمعنوي ولانصرف للمزيد من القراءة.