-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
نشرت بعض الصحف خبرا عن دراسة أمريكية حديثة، أكد فريق الباحثين الذين قاموا بها أن الضحك يعطي جرعة من الأكسجين التي تؤثر على جهاز القلب مثل الرياضة، وعليه، فإن دقيقة ضحك واحدة - نعم دقيقة واحدة - تعطي نفس فوائد ثلاثة أرباع الساعة من الاسترخاء، وهو يعني أن الضحك ربما يكون أفضل من الاسترخاء للأشخاص الذين لا يجدون وقتا كافيا للراحة. أما كيف يجد المرء ما يضحكه، فقد أشارت الدراسة إلى أن الضحك عن طريق المشاهدة اليومية، لمدة 10 إلى 15 دقيقة للبرامج الفكاهية التلفزيونية، أو «الاسكتشات» الضاحكة وأفلام الرسوم المتحركة، وحتى قراءة بعض الكتب التي تحتوي على النكت الضاحكة، يمكن أن يؤدي إلى المطلوب.
اعتقدت في البداية أن الأمر يسير وهين، فنحن من هؤلاء الأشخاص الذين لا يجدون الوقت الكافي للرياضة أو الاسترخاء، إذ سيطر العمل وتدبير شؤون الأسرة ونحوها على أوقاتنا، ومن ثم عملت بنصيحة الدراسة، وجلست أمام التلفاز لعلي أجد ضالتي، وأخذت أقلب عشرات القنوات، من القنوات العربية بالطبع، حتى أفهم المشاهد الضاحكة التي تعوض عن الاسترخاء والرياضة، وليتني ما فعلت.

فالقنوات كلها، إما مشغولة بقضايا مجتمعاتها ومشكلاتها، وإما هي قنوات «طبيخ» تعلم الجاهلات كيف يسلقن اللحم أو ما يشوينه، أو هي قنوات إخبارية، ويا حسرة على المشاهدين، فكلها مشاهد مبكية مفزعة مفجعة. فهل تضحك على عشرات، بل مئات القتلى من إخواننا في العراق، أو في أرض العلوم والفنون والآداب، في الشام، وضحايا الانفجارات في تركيا ونيجيريا وليبيا وغيرها من بلدان المسلمين. هل ثمة ما يضحك، لا أقول في عالمنا العربي والإسلامي وحسب، بل في العالم بأسره، باعتبار ما يربطنا به من علاقات إنسانية أو صداقة أو جوار؟!
هناك قنوات متخصصة في الضحك، أي والله، هكذا تسمى «قناة... كوميدي»، فلجأت إليها، فازددت حسرة على ما وصل إليه إنتاجنا الفني في مجال «الكوميديا» من هبوط وتدنٍ، بل وانحطاط وإسفاف.
قلت: لا بأس، لعلي أجد ضالتي في قنوات الأطفال وما بها من رسوم متحركة، فاختلست بعض الوقت، حتى لا يراني أولادي فيعتقدون أني فقدت الوعي بعمري وسني، إذ لا يقدرون مثل هذه الدراسات والبحوث التي لا تلقى اهتمام من الإنسان العربي أينما كان، فلم أجد ما يضحك على الإطلاق، فالصديقان «توم وجيري» ما زالا منذ عشرات السنين يؤديان نفس الحركات و«المقالب»، دون أن يفلح أحدهما بالقضاء على الآخر أو هزيمته، مما يشعرك بسخافة هذه الأفلام، وتكرار ما فيها، وأخرى تعلم الأطفال العنف والقسوة حتى الإدماء، فماذا بقي إذا؟.
لقد فشلت كل الرسائل التي اقترحتها الدراسة التي أشرت إليها، ولم يعد أمامي إلا وسيلة واحدة، ربما تلهيني وتضحكني وتثقفني في نفس الوقت، ألا وهي الرجوع إلى كتب التراث، لعلي أجد في نوادر الجاحظ وأمثاله، ما يعوضني عن معاناتي مما يحيط بنا من أحداث، ومما وصل إليه الإعلام العربي.