-A +A
علي حسن التواتي
الطفل الفلسطيني هو علي دوابشة والصبية الإسرائيلية هي شيرا بانكي. وكلاهما كانا ضحايا لمبادئ وتعاليم تلمودية زرعتها الصهيونية العالمية في نفوس يهودية غضة لتخرج بها في سن النضوج عن الطبيعة الإنسانية المسالمة البناءة وتحولها إلى نفوس بالغة مريضة مملوءة بالكراهية والحقد والقدرة على القتل والإيذاء بدم بارد كبرودة وجوههم وحيواني كحيوانية نفوسهم وهمجي كهمجية أفعالهم.
إن تربية النشء أمر جلل لأي شعب وهي حجر الأساس للحضارة والقيمة والمكانة التي يحتلها بين الشعوب. فما أسوأ أن تنشئ أجيالا أقل ما توصف به أنها قطعان من القتلة والسفاحين. وهذا ما انتجته الصهيونية في مستوطنات (كيبوتزات) الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين فيما عرف بين شعوب الأرض بمسمى (قطعان المستوطنين). جماعات شوفينية متعالية عظمت في نفوسها مقولة (شعب الله المختار ) حتى ظنوا بأنها حقيقة تعطيهم الحق بالنظر للأغيار (الغونيم) على أنهم مخلوقات أقل شأنا، بل يمكن أن يكونوا أي شيء كالصراصير التي يجوز دعسها بالنعال مثلا.
ولكن يبدو أن الصهيونية العالمية وأبناءها البررة من قادة إسرائيل وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الحالي نسوا أو تناسوا أن النفوس التي تجبل وتنشأ على الشر باتجاه فئة أو شعب معين لتحقيق أهداف وغايات وطنية أو دينية تبقى نفوسا شريرة لا يمكن حصر شرها في الاتجاه المطلوب بل يتطاير في كل الاتجاهات ويرتد عليها ويفسد عليها نعمة العيش في مجتمع سوي يسوده التعاون والسلام.
ولئن تجاوز رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسيا وأخلاقيا حادثة حرق طفل من (الغونيم) عمره سنة ونصف مع أخيه ذي السنوات الأربع ووالديه اللذين فرض احتلاله لأرضهم أن يعيشوا في بيت مكون من (حجرة واحدة) استنادا على مبدئه المعلن بأنه (مستعد لتقبل عنف المستوطنين في سبيل الإبقاء على أرض إسرائيل ضمن الدولة اليهودية)، فهل يمكنه تجاوز مصرع الصبية الإسرائيلية ابنة الستة عشر ربيعا (شيرا) أثناء ممارستها لحقها في التظاهر الذي يكفله دستور وقانون بلادها طعنا على يد مستوطن إسرائيلي يرتكب نفس الجريمة للمرة الثانية خلال عشر سنوات.
ولكن لم لا، فقد تجاوز نتنياهو وقادة إسرائيل مصرع رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين في 4 نوفمبر 1995 على يد مستوطن يهـودي اسمه إيجال عامير، ليصبح رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الوحيد الذي يقضي اغتيالا. وإذا ما عرفنا بأن رابين كان إرهابيا ومن أشهـر رجالات البالماخ المتفرعة من الهاجاناه الإرهابية نعرف أن كافة قادة إسرائيل يمكن أن يتقبلوا عنف المستوطنين حتى لو طالهم ويمكنهم تجاوزه بسهولة.
فأي نفوس مريضة هذه التي تنشئها الصهيونية العالمية على الكراهية والاستخفاف بالنفس الإنسانية في سبيل التسلط والإبقاء على احتلال أراضي الغير بالقوة العسكرية. فالإساءة هنا للإنسانية ولليهود أنفسهم أشد وطئا من الإساءة للفلسطينيين والعرب. فمن حق اليهودي أن ينشأ على قيم العدل والسلام مثله في ذلك مثل أي إنسان آخر في العالم. وشواهد التاريخ لا حصر لها في المصير المتوقع لأي شعب ينشأ مثلما نشأ المستوطنون اليهود. رأينا النازي الذي نشأ جيلا متعاليا (اريا) وفعل باليهود وغيرهم ما يفعله اليهود الان بالفلسطينيين وكيف كانت نهايته، ورأينا هولاكو وجنكيزخان وتيمورلنك الذين اجتاحوا منطقتنا بنفس القيم الإسرائيلية الهمجية وكيف كانت نهايتهم.
صدقوني يا نتنياهو ويا كل قادة إسرائيل بأنكم أنتم أيضا تعانون من احتلال مركب أنتم أيضا من ضحاياه في أرض فلسطين. وصدقوني أن الفلسطينيين تحت احتلالكم في وضع أفضل من وضعكم. فلئن طال الزمان أو قصر سينتصرون ويتحررون من احتلالكم الذي نجحوا في حصره في المكان ولم يسمحوا له بالتمدد للإنسان. أما الاحتلال الذي تعانون منه فهو احتلال فكري ونفسي وأخلاقي أفسد حياتكم وحياة كل من يعيش أو يتعامل معكم، وحولكم إلى شعب كريه يرتبط اسمه بالشر والشيطان والخبث والطمع والهمجية وكافة الصفات البشرية الدنيئة. وحتى الشعوب التي تدافع عنكم وتساندكم هي في الحقيقة مستعدة لتقاسم ثرواتها معكم في سبيل حصركم في أرض فلسطين والتخلص من وجودكم المؤذي بين ظهـرانيها.
ولعلمي أنني أصرخ في آذان لا تسمع وأناشد قلوبا لا تعي في إسرائيل فإنني أناشد الأمم المتحدة أن تتدخل فورا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وتجبر قادة إسرائيل على تفكيك مستوطناتها وإجلاء قطعانها، وإعلان الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع. ولا يقل أهمية عن إعلان الدولة الفلسطينية العمل على إنقاذ يهـود إسرائيل من الصهيونية بالتدخل في إعادة صياغة المناهج الدراسية الإسرائيلية ومبادئ وأسس تنشئة الأجيال القادمة في إسرائيل تنشئة سوية ترتكز على مبادىء العدل والمساواة والسلام.
صدقوني يا كل العالم بأن يهـود إسرائيل بحاجة لإنقاذ مثلما هم الفلسطينيون بحاجة لإنقاذ، ولكن مصيبة العالم في يهـود إسرائيل والمبادئ التي ينشؤون عليها هي أكبر لأن شررها سيتطاير في كل أنحاء العالم من حيث يعلم وما لا يعلم، فالعالم الإسرائيلي والموسيقي والمؤرخ والوزيـر لا يختلفون عن عامير قاتل رابين ولا عن يهـوذا لانسبرج محرق عائلة الدوابشة ولا عن يشاعي شليشل طاعن شيرا..

altawati@gmail.com



للتواصل أرسل sms إلى 88548
الاتصالات ،636250 موبايلي، 738303
زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة