-A +A
علي حسن التواتي
أكتب هذه المقالة يوم الثلاثاء 7/7/2015 وهو يوم اجتماع قمة اليورو للنظر في امتناع اليونان عن سداد قسط من ديونها لصندوق النقد الدولي بحلول الساعة 12 مساء الثلاثاء الذي سبقه ونجاح حكومة أثينا اليسارية في الحصول على (لا) كبيرة يوم الأحد الماضي في استفتاء الشعب على رفض قبول خطة التقشف المرافقة لمزيد من التسهيلات الأوروبية.
وسواء وجدت أوروبا حلا لديون اليونان أو سمحت لها بالخروج أو أخرجتها من منطقة اليورو تبقى اليونان جزءا لا يتجزأ من أوروبا وعضوا في اتحادها وحلفها العسكري (الناتو) وهو ما يعني أن حلا داخليا سيتم التوصل إليه إن عاجلا أو آجلا.

ولكن ما يجري في أسواق المال الصينية هو الكارثة بعينها والموت المتوقع للعديد من الاستثمارات والصناعات العالمية واقتصادات الدول المرتبطة بالصين بشكل أو بآخر. فحتى الاثنين الماضي فقدت الأسهم الصينية (3) ترليون دولار من قيمتها السوقية وهي قيمة تزيد على الناتج القومي لجامعة الدول العربية لعام كامل (2,8) ترليون بحوالى 5% وتزيد على الناتج القومي لدول مجلس التعاون (1,7) ترليون بأكثر من مرة ونصف (1,76%) وتزيد على الناتج القومي السعودي (745) مليار دولار بأكثر من 4 أضعاف.
وشملت الخسائر جميع المتداولين صغارا كانوا أو كبارا، ولقد كان نصيب أكبر 80 متداولا من الخسارة في يونيو فقط حوالى 34 مليار دولار. أما الشركات المدرجة في بورصتي شنغهاي وشنتجن فقد قدمت 700 شركة منها تمثل نحو ربعها طلبات رسمية بإيقاف تداول أسهمها.
أما المقترضون الذين شجعتهم الحكومة على الاقتراض بانتهاج سياسة النقود السهلة بتسهيل حصولهم على القروض البنكية بفوائد بسيطة فقد كانت خسائرهم هائلة خاصة ملاك (12) مليون حساب متاجرة فتحت في مايو الماضي فقط.
وبعد أن فشلت كافة المحفزات التي قدمتها الحكومة والنظام البنكي وكبار صناع السوق فشلا ذريعا في إيقاف النزيف تنفتح الأزمة على كافة الاحتمالات. فبعد ما بدا أنه ارتداد بنسبة 8% في تداولات يوم الإثنين الماضي لم يتبق منها سوى 2,4% في نهاية التداول، ثم ما تلبث أن ضاعت مع افتتاح تداول الثلاثاء بسبب تخوفات أثارتها تصريحات لرئيس الوزراء أكد فيها على أن بلاده قادرة على التعامل مع مخاطر الأزمات الاقتصادية العابرة ولكنه لم يتكلم عن أسواق الأسهم بشكل مباشر.
وفي البحث عن تفسير لما يجري، سارعت أوساط صينية لاتهام الأجانب كما هي العادة في هذا الجزء من العالم في البحث عن عدو خارجي لتحميله المسؤولية، فوجهت تهمة التقليل من القيمة المستقبلية للأسهم الصينية لعدد من بيوت الخبرة والاستثمار الغربية وذلك ما ألقى بظلاله على التداولات في الأسابيع الثلاثة الماضية.
ولكن هيئة أسواق الصين المالية المستقبلية نفت هذه التهمة بالتأكيد على أن السوق الصينية محصنة من التلاعب الأجنبي وأن دور الأجانب في الأسواق الصينية هامشي.
أما بيوت الخبرة العالمية والخبراء المحليون فيفسرون ما يجري من منظور آخر ويعزون ما يجري إلى سببين رئيسيين أحدهما أن فقاعة الأسهم الصينية كانت تنتفخ وتتزايد وأن الحكومة لم تأبه للتحذيرات ظنا منها أن السوق الصينية محصنة من الانهيارات ولذلك هم يرون أن ما يجري لا يعدو كونه تصحيحا طبيعيا طال انتظاره وسينعكس إيجابا على السوق في المدى الطويل بتشكيل قاعدة صلبة للتداول بتعديلات رئيسية في الأنظمة والإجراءات واللوائح.
أما السبب الاخر فهو الاعتقاد بلجوء الحكومة الصينية لنفخ السوق بتسهيل الاقتراض لتتمكن من بيع حصص من أسهم المؤسسات العامة التي تملكها الدولة والسوق في أعلى قممه لتتمكن من الحصول على أكبر قدر ممكن من العوائد في ضوء تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني وحاجة الدولة لمزيد من الأموال لمواجهة نفقاتها وتسديد ديون مؤسساتها. وهذا التفسير بدا الأقرب للصواب خاصة في ضوء تصريحات محافظ بنك الشعب المركزي الصيني في مارس الماضي بأنه يعتبر أن سوقا مزدهرة على قاعدة صلبة يمكن أن تكون مصدرا يعتمد عليه للتمويل.
وعلى كل حال، مهما كانت الأسباب والمسببات فإن السلطات المالية والبنكية والتنظيمية الصينية إضافة لصناع السوق أثبتوا عجزهم عن إدارة الأزمة أو إبقائها في حدود السيطرة، وستطير بالتأكيد رؤوس وتتغير لوائح وأنظمة وتضخ أموال لإنقاذ السوق في المدى المنظور. ولكن هل ستنجح الصين في استعادة استقرار وتوازن أسواقها في وقت قياسي مقارنة بدول كبرى سبقتها في المرور بأزمات مشابهة استغرقت منها عقودا من الدعم والتنظيم أم أنها ستمر بكل المعاناة التي مر بها الآخرون؟
ربما يعتقد البعض أن الأرصدة الكبيرة والمديونيات الهائلة للصين في ذمة دول أخرى تشكل ضمانة استراتيجية للتوازن في المدى الطويل. ولكن حتى هذه الأرصدة لن تنفع في حال استمرار تراجع النمو الاقتصادي الصيني وتآكل تلك الأموال لسد العجز ومواجهة متطلبات الإنفاق المتصاعدة وتضاؤل الاستثمارات الأجنبية بشقيها المباشر وغير المباشر مع تصاعد عدم الثقة بسلامة إدارة الاقتصاد الصيني..