-A +A
أحمد عجب
هناك حقيقة علمية تقول : إن الأفعى تضطر إلى تبديل جلدها كل أسبوعين متى تعرضت للإصابة بالجفاف أو متى ازداد حجمها، وهي تقوم بتبديل جلدها دفعة واحدة على شكل قطعة كبيرة من القشرة الشفافة، حيث يبدأ تقشر الجلد من الرأس لتخرج الأفعى من جلدها القديم ببطء عن طريق احتكاكها بالصخور أو الأشجار أو الأجسام الخشنة مما يساعدها على نزعه والتخلص منه للأبد، ليحل مكانه جلد متين وناعم وجميل يمكنها معه التكيف مع الطبيعة الجغرافية والمناخية وإخفاء ما يمكن إخفاؤه من سموم ونظرات عدائية !؟
منذ عقود طويلة، تعاقبت الأجيال، وورثت عن بعضها البعض ذات الهموم والمشكلات، ذات الإحباطات والظروف المادية الصعبة، فالجيل الذي عانى ــ على سبيل المثال ــ من المشكلات الاقتصادية في ريعان شبابه لا نجده ينظر إليها بذات النظرة أو يساهم في حلها حين يكبر ويتقلد المناصب القيادية، إنها أشبه ما تكون بالخسائر المالية التي تتكبدها الشركة كل سنة ومع هذا تنجح الإدارات المتعاقبة في إخفائها من ميزانياتها الختامية بتسجيلها كديون معدومة لتوهم المساهمين بأن الأمور ماشية صح وأن ما يحدث أمر طبيعي تفرضه طبيعة السوق !!.. عندما كان شابا يافعا، كان ينظر إلى مشكلة غلاء المهور على أنها العقبة الرئيسية التي تقف وراء سعادته وتمنع ارتباطه بشريكة حياته و إكماله نصف دينه، كان يصف مغالات أهل العروسة بأنه جشع دنيا وأنهم بذلك يحملونه فوق طاقته مما سيؤثر على مقدرته في الوفاء بالتزاماته تجاه أسرته فثلاثة أرباع دخله ستذهب لسداد القروض التي تحصل عليها، عندما بلغ أخونا هذا الخمسين من العمر، وأصبحت لديه بنت في عمر الزواج، نسي كل ذلك، وراح يجيب مأذون الأنكحة لحظة كتب الكتاب بقوله : المهـر مائة ألف ريال مع شقة ومؤخر صداق!!

عندما كان شابا يافعا، حفيت رجلاه إلى أن وجد شقة غرفتين وصالة، حاول التفاوض كثيرا مع مكتب العقار ثم مع صاحب العمارة لتخفيض الإيجار السنوي حتى يتمكن من الوفاء به، كان يشرح لهم ظروفه ويطلب منهم أن يضعوا أنفسهم مكانه ليشعروا بمعاناته، كان يتألم كثيرا لعدم مبالاتهم ولترديدهم عبارة : تبغاها بالسعر هذا والا روح شوف لك شقة ثانية. عندما بلغ أخونا هذا الخمسين من العمر، ورزقه الله بعمارة، نسي كل ذلك، وراح يجيب القاضي مدعيا: أطالب المستأجر بأربعين ألف ريال إيجار وألفين قيمة تأمين على الشقة !!
قس على ذلك حالات كثيرة، منها ذلك المستهلك الذي يحارب الغش ثم نجده بعد سنين تاجرا محترفا بلا ضمير، أيضا ذلك المرؤوس الذي كان يطرد وراء زيادة الراتب وحين تبوأ منصبا قياديا أصبح يتفنن في رفض طلبات مرؤوسيه، هذه الأمثلة وغيرها، قادتني إلى حقيقة عملية مفادها: أن الإنسان هو الآخر يقوم بتبديل جلده متى تحسن مستوى معيشته أو تحصل على ترقية، حيث ينسى معاناته السابقة، وينجح مع الوقت في الخروج من جلده القديم عن طريق الاحتكاك بمغريات الدنيا والفساد المستشري، ومن كثرة ما أراه في حاضرنا من منافقين ووصوليين ودعاة مرائين ازداد إيماني بهذه الحقيقة، لكن أبحاثي توقفت عند فرضية يصعب حصرها وهي : كم مرة يبدل الإنسان جلده ؟!..