-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
تفرس الرجل، أي: صار فارسيا، تغرب الرجل، أي صار غربيا، ووجه الشبه في هذا «المتفرس» غير مذكور في عبارتي، وذلك لفتح آفاق هذا «التفرس»، وليشمل كل أوجه التشابه مع الفرس: عقيدة، فكرا، سياسة... إلخ. وهل يمكن لعربي أصيل أن يتفرس؟!
بت مقتنعا تماما بإمكانية أن يتفرس بعض العرب، ممن اختلطت دماؤهم، ولم تعد العروبة نقية في أجسامهم، وممن اختلط عليهم أمر دينهم وعقيدتهم، ولم يعد الإسلام النقي الصافي الذي وصلنا من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، هو معتقدهم وإيمانهم، فذهبوا مذاهب شتى، وأولوا النصوص وفق أهوائهم، ومن أضل ممن اتبع هواه!!

ويبدو أن سياسة إيران عبر العقود الأخيرة قد باتت تؤتي أكلها، إذ عمدت في غياب الوعي العربي -أو تغييبه- إلى استقطاب الشباب إلى إيران، وأغدقت المليارات من أجل توفير منح دراسية للشباب من مختلف الدول، عربية وغير عربية، ولنا أن نتخيل مدى ما يمكن أن يقع على الشباب في سن التقلبات الفكرية والعاطفية، وعندما يحاط بإغراءات مختلفة، من تأثيرات خطيرة في عقيدته وفكره وسلوكياته.
نتيجة هذا النشاط الفارسي المستمر منذ عقود، باتت تظهر جلية وواضحة، من خلال قنوات فضائية عديدة، هي عربية الموقع، وعربية اللغة، وعربية الملكية، لكنها «فارسية» الاتجاه، حيث نراها تسبح بحمد إيران، وترى في كل سياساتها ونهجها في المنطقة عدلا وإنصافا ومناصرة للحق، بل ودعما للشرعية القائمة في بلدان العالم العربي، مع أن أي صاحب عقل رشيد، بإمكانه أن يتعجب من زعم إيران الفارسية للشرعية السورية متمثلة في نظام الأسد، بينما لا تعترف بهذه الشرعية للرئيس اليمني عبدربه هادي منصور. وهذا يفسر لنا الأمر على وجهه الصحيح، فالشرعية التي يعتقدها ويؤمن بها الإيرانيون هي شرعية الأنظمة الموالية لها، السائرة في فلكها كحاكم سوريا وخائن الله اللبناني.
والمتابع للعديد من القنوات الفضائية اللبنانية، سيشهد تصديقا لما أطرحه في هذه السطور، فكثير من الشخصيات التي تظهر على شاشات هذه القنوات ترى أن إقامة الإمبراطورية الفارسية في المنطقة، أهم من أي وحدة عربية، أو حتى إسلامية، يمكن أن تقف حائلا دون تحقيق الأطماع الفارسية.
ولا أسعى هنا إلى تقديم «وصف حالة»، وإنما يهمني في المقام الأول أن نجابه هذا المد الفارسي في منطقتنا، لا عسكريا، بقدر ما هو فكري وتكتيكي.
على الجهات المعنية في كل دولة عربية تتعرض لمحاولات الاختراق الفارسي، ومن ثم على جامعة الدول العربية، أن تهتم بتوفير المنح الدراسية والتدريبية للشباب العربي في البلاد العربية، لإعداد كوادر قادرة على مجابهة أي محاولة فارسية لزعزعة استقرار المنطقة وأمنها.
كما على تلك الجهات -كذلك- تخصيص برامج مكثفة، فنحن لسنا بحاجة إلى مزيد من القنوات الفضائية عبر ما هو قائم بالفعل من قنوات، يتم التركيز فيها على بيان التاريخ الاستعماري للإمبراطورية الفارسية منذ ما قبل التاريخ، والمحاولات المعاصرة لإحياء هذه التطلعات، ومن الأهمية بمكان تركيز الضوء على العلاقة الأزلية بين الفرس واليهود، منذ آلاف السنين، إذ إنها تفسر لنا كثيرا من المواقف الإيرانية الحالية، كما تبين لكثير من المنخدعين في سياسة إيران الفارسية، حقيقة «النباح» الفارسي، على القنوات الفضائية، وعلى كثير من الصحف العربية.