-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
عند البحث عن حلول لأزمة الإسكان فتش عن أنظمة الرهن والتمويل العقاري، وعن رسوم الأراضي البيضاء. هكذا ظل تشخيص أزمة الإسكان من جانب الاقتصاديين عامة، وخبراء العقار خاصة، ورؤيتهم لعلاجها قبل صدور هذه الأنظمة منذ عامين، وعقب قرار فرض الرسوم بعد إكمال إجراءاتها التشريعية والتنفيذية النهائية قريبا.
ولكن هل حقا أسهم القطاع الخاص التمويلي والاستثماري في تفعيل الاستفادة من أنظمة الرهن العقاري في تلبية عطش الطلب على الأراضي والإسكان، رغم ما قاله خبراؤه فيها آنذاك من أشعار عن أهميتها في حل الأزمة، ويكفي السنوات الضائعة من وزارة الإسكان في دراسة الحلول وخططها النظرية التي بدت وكأنها مجرد (إعلان نوايا) لم يدخل حيز التنفيذ الطموح، ولعلها اليوم تعوض ما فات؟! فهذا البطء المؤسف لم يواكب جهود الدولة والدعم الهائل بتخصيص 250 مليار ريال لبناء 500 ألف وحدة سكنية، ورغم استلام الوزارة لمئات الملايين من الأمتار المربعة في كافة المناطق.. فهل يتكرر هذا البطء بعد الإقرار المرتقب لرسوم الأراضي البيضاء ويستمر جبل الجليد لأزمة الإسكان؟.

كنا نتطلع إلى دخول القطاع الاستثماري العقاري بكل ثقله، ويحرك سوق البناء والتشييد ومن ثم سوق العقار وفق الشروط والضوابط، لكن هذا القطاع من بنوك ومؤسسات تمويل، جلست (رجل على رجل) وركزت على الصفقات الكبرى دون أي محفزات تشجيعية حقيقية للتمويل العقاري الميسر للشرائح المتوسطة، أما الشرائح الدنيا فليس أمامها سوى الصندوق العقاري المزمع تحويله إلى مؤسسة مالية مستقلة لتفعيل دوره وتطوير آلياته وأهدافه.
أنتقل إلى رسوم الأراضي البيضاء وهي خطوة غاية في الأهمية طال انتظارها بعد أن استفحلت ظاهرة (التبييض) والاحتكار للأراضي من قبل كبار الملاك والتحكم في أسعارها بندرة المعروض أمام كثرة الطلب. وهنا نعود مجددا إلى السؤال: إلى أي مدى ستذيب الرسوم جبل الجليد في سوق الأراضي أم تحرك قمته فقط؟.
لقد استهدفت الرسوم الإسهام في علاج حالة الجمود وندرة الأراضي داخل النطاق العمراني وكسر ارتفاع أسعارها من كبار الملاك الذين تحكموا في أسواقها طويلا لصالحهم حتى بلغ سعر المتر آلاف الريالات في المواقع العادية. ولأننا اعتدنا أن نعول كل شيء على التشريعات المنظمة دون تفاعل حقيقي معها، فلا يزال الوقت مبكرا لتحديد نسبة دخول الأراضي البيضاء ضمن خارطة البناء وسوق العقار، خاصة أن بعض كبار الملاك لن يشعروا بعبء الرسوم خلال الزمن المحدد لبقائها بيضاء وهو حتما سنوات.
إن المسؤولية الاجتماعية أحد مفاتيح العدالة التي تستهدفها الأنظمة والتشريعات، بمعنى أن تستفيد وتدع غيرك يستفيد، ومن غير الواضح حتى الآن تفصيلات رسوم ضوابط وآليات رسوم الأراضي، وهل ستختلف شروطها في الشوارع الرئيسية عنها في الفرعية؟ وإذا كان كبار الملاك قادرين على دفع الرسوم لسنوات، فماذا عن صغار الملاك؟.
ما نتمناه حقا أن يوفر القرار الجديد للرسوم تحريكا حقيقيا وسريعا لسوق وأسعار الأراضي، ولعلها فرصة للوزارات المختلفة لشراء الأراضي اللازمة لبناء المدارس والمستشفيات والمساجد ومراكز الدفاع المدني والمواقف العامة وغيرها من مشروعات خدمية حيوية، تسد العجز داخل الأحياء السكنية وتعوضها عن فترة الحرمان منها بسبب ندرة الأراضي. فحتما نحتاج إلى رؤية واضحة لخطوات ما بعد فرض الرسوم في القريب العاجل، وليت البلديات والأمانات تسهم في التخطيط ودراسات الجدوى؛ للاستفادة المثلى بطرح مشاريع حيوية بالتنسيق مع ملاك الأراضي بما يعود عليهم وعلى المواطن بالمنفعة والفائدة الحياتية والصورة العمرانية والبيئية الحضارية للمجتمع.