-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
اللعب بكل ما يسمى ضروريات حياة المواطن، أمر بشع للغاية، فاحتكار التجار للسلع الغذائية جريمة، والتلاعب بسوق الأدوية – مثلا – جريمة كذلك، وسلوكيات البعض في التعامل مع الأراضي – التي من المفترض أن تبنى عليها المساكن لإيواء الناس، لإقامة مشروعات تخدم البشر – مما يعطل استغلال هذه الأراضي لحل مشكلات المواطنين، أو لتنمية المجتمع، هي سلوكيات مرفوضة للغاية، لأنها – على الأقل – تشتم منها رائحة الاحتكار المنهي عنه شرعا.
«الأراضي البيضاء»، اصطلاح متداول بيننا للإشارة إلى تلك الأراضي التي يعمد أصحابها إلى تجميدها، دون الإفادة منها، حتى يزداد الطلب، نتيجة الازدياد السكاني، والتقدم العمراني، فترتفع أسعارها، ومن ثم يجني أصحابها أرباحا باهظة، دون مراعاة لاحتياجات الأفراد، ولا حتى مصلحة الوطن.

وقد أثلج صدورنا ذلك القرار الجريء، الذي أصدره مجلس الوزراء، الذي يقضي بفرض رسوم على الأراضي التي تزيد مساحتها على عشرة آلاف متر، ولم تستغل حتى الآن، داخل الأحياء والمدن، وذلك بفضل حث أصحابها ودفعهم إلى استغلالها في إقامة المساكن، أو تشييد المشروعات، التي من شأنها خدمة المواطن من جانب، وإنعاش اقتصاد البلاد من جانب آخر .
هذه «الأراضي البيضاء» تنتشر في كل المدن الكبرى بالمملكة، ونراها في جدة والرياض وغيرها، هذه المدن الكبرى بحاجة ماسة لمزيد من المشاريع الإسكانية والخدمية، وكلنا يدرك ارتفاع إيجارات المساكن، لكثرة الطلب، وقلة العرض، بحيث بات أمر استئجار شقة مناسبة لأسرة سعودية شابة، يشكل معادلة صعبة، تحتار إزاءها الأسرة، للمواءمة بين دخلها المحدود، ونفقات المعيشة، والالتزامات الأسرية المتعددة، مما لا يبقى ما يكفي لتوفير سكن ملائم.
إن قرار مجلس الوزراء الجريء يسهم بلا شك في حل أزمة كثير من شباب البلاد، ويخدم بالتالي شريحة كبيرة من المواطنين، كما يسهم بشكل آخر في تحريك حركة بيع وشراء الأراضي، ويخفض من أسعارها، ولا ننسى أن ذلك كله يؤدي إلى إنعاش شركات المقاولات الوطنية، التي يعمل بها الآلاف، وهكذا، فإن آثار هذا القرار لا تنعكس على مجرد توفير المساكن بأجر معقول، وفي متناول أيدي الشباب وإمكاناتهم المادية، وإنها تتعدى آثاره إلى قطاعات كبيرة من المجتمع.
في دول عديدة، هناك قوانين تفرض على ملاك الأراضي، وبخاصة تلك الأراضي التي يحصل عليها أصحابها من الدولة، البناء خلال فترة زمنية محددة وإلا تم سحب هذه الأراضي منهم، وإعادة تخصيصها للجادين، الذين يرغبون في الإفادة، وفي الاستفادة.
نعم، إن آثار هذا القرار الجريء الشجاع، لا يمكن أن ترى خلال أيام أو شهور معدودات، ولكني على يقين من أننا سنشهد قريبا ثمرة هذا القرار، التي سينعم بها قطاعات واسعة من المواطنين، وعلى رأسهم الشباب.
على أصحاب هذه الأراضي أن يتقوا الله تعالى فيما من به عليهم من نعم، فما كان للمال أن يكتنز أو يجمد، وإلا لتوقفت عجلة الحياة، ولتدهورت المجتمعات، وعليهم أن يحذروا من الوقوع في شبهات الاحتكار، الذي ينال من استقرار الأفراد والمجتمعات.