-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
العدل: أن يعطى كل ذي حق حقه، أو هو كما قال الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- هو: الإنصاف، والعدل اسم من أسماء الله تعالى، وقيمة كبرى من قيم الإسلام، إذ به تستقيم الحياة، وفي غيابه تتآكل المجتمعات وتنهار، حيث تفتقد السلام المجتمعي الذي يحقق لها الأمن والأمان والاستقرار، لذلك جاء به الأمر الإلهي بالعدل في الأقوال والأفعال، والعدل بين الزوجات، والعدل في الأحكام، وهو مطلوب مع النفس، ومع الآخر، مع من نحب، ومن نكره، وقد جمع بعض العلماء وجوه العدل، فما وجدت علاقة مباشرة بتوثيق الأوراق والعقود، وإن كان في ذلك ضمان للحقوق بين الأفراد، لكنى أفضل أن تستخدم لفظة «العدل» في معانيها ذات الصلة الوثيقة والقريبة، وألا «نلصق» هذه الكلمة ذات الدلالات الخطيرة بأمور «هينة» حتى لا تفقد اللفظة بريقها وهيبتها وجلالها.
ومع أن التوثيق -كما ذكرت- يضمن الحقوق، إلا أننا لا نعدم تحايل البعض في بعض القضايا التي يتم توثيقها، ومع ذلك هي باطلة، بل وقد يكون هذا التوثيق المبني على التحايل والغش والخداع، سببا في ضياع الحقوق «بشكل نظامي وقانوني».

هذه المعاني جالت بخاطري، وأنا ذاهب لتوثيق بعض العقارات، وإذا بي أرى «كتابة العدل»، فأخذت أسأل نفسي عن ملاءمة التسمية للمسمى، وهل ثمة «بدائل» أخرى يمكن أن تؤدي انطباق الاسم على المسمى، والدلالة الصحيحة، بحيث لا يحدث اللبس، ولا «يبتذل» اللفظ؟!
أخذت أفكر -كأحد الدارسين والمهتمين باللغة العربية- في مصطلح بديل، يعكس طبيعة هذه الجهة الحيوية والمهمة في حياتنا، ولعل من أبرز سمات «المصطلح» أن يكون محددا وواضحا ومختصرا، وسهل التداول.
فماذا لو قلنا: مكتب التوثيق العقاري؟!
وهل يؤدى هذا المكتب أكثر من هذه المهمة؟
وهل ثمة صعوبة في تداول هذا المصطلح بين العامة والبسطاء والمثقفين، وسائر طبقات المجتمع؟!
وهل ينقص هذا المصطلح من قدر الدور الذي يلعبه هذا المكتب، أو يقلل من قدره وقدر العاملين فيه؟!
هذا مجرد اقتراح أقدمه كمواطن، يسعى إلى أن تعبر المسميات في بلاده عن مضمونها وكينونتها ووظيفتها، وفي نفس الوقت يسعى -كذلك- للحفاظ على هيبة ألفاظ أخرى وقداستها ومكانتها، بل ومضامينها الدينية السامية.
فهل تأخذ الجهات المعنية باقتراحى، أو حتى تدرسه، وان لم يكن مناسبا، تفيدنا بأسباب عدم مناسبته لتطمئن قلوبنا، ونعلم أن التفاعل قائم بيننا وبين مؤسساتنا وهيئاتنا الحكومية.
ولعلي أنتهز الفرصة في هذا المقال، والمقام، لأدعو من تشغلهم مثل هذه القضايا، للنظر في كثير من المسميات السائدة في مجتمعنا، بل والتي تنفرد بها بلادنا، وتعود إلى عقود مضت، وربما لم تعد -بعد التطور الحضاري والتكنولوجي الذي تعيشه بلادنا- ملائمة بشكل دقيق، وتحتاج إلى تطوير أو تعديل أو حتى تغيير، إذ لا أظن أننا نطرق أبواب المحاذير، فتلك اجتهادات بشر قبلنا، وحتما سيأتي من بعدنا من يغير ويعدل كثيرا مما اتفقنا عليه، واعتبرناه خلال حياتنا غاية المنتهى، بل ربما قال البعض: ليس في الإمكان، أبدع مما كان، والحقيقة أنه بالإمكان، أن نصل إلى أبدع مما كان.