-A +A
أحمد عجب
ما إن أدخل إلى موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) حتى يخيل لي بأنني أدخل إلى قاعة جلسات قضائية بالمحكمة، هناك من يلعب دور المدعي، وهناك من يؤدي دور الشاهد، وهناك من يعتلي المنصة ويتقمص دور القاضي، وليس مهما أن يحضر المتهم ليقول ما عنده أو ليدافع عن نفسه، المهم أن يغرد أي شخص بما لا يتجاوز 140 حرفاً بما يستثير العواطف ويأجج المشاعر ويشعل فتيل (الهرج والمرج) حينها يضرب (الفاضي) بمطرقته على طاولة المنصة مطالباً الجميع بالسكوت، ثم يتنحنح ويصدر حكمه النهائي غير القابل للاستئناف والذي لا يخرج منطوقه عن (هذا إنسان ظالم ما يخاف الله ويستحق الإعدام شنقاً ورمياً بالرصاص وبحد السيف)!؟
لقد تم منع القضاة من التواصل عبر (تويتر) و(فيس بوك) وغيرها من وسائل الإعلام الحديثة، وذلك من أجل تكريس مفهوم الحياد والاستقلال القضائي، فلا يعطي رأيه في أي قضية على وجه السرعة أو تحت تأثير العواطف أو لغرض كسب الإعجاب وحصد أكبر عدد من الرتويت والمتابعين، فيما قد يكون الشخص المتهم والمقصود بالتغريدة (بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب) أيضاً من بين الأسباب التي أدت لمنع القاضي من الظهور في الإعلام هو الخوف من أن يدلي برأيه في قضية هي في الأصل منظورة لديه بالمحكمة، مما قد يؤدي إلى تقديم ذوي الشأن تظلما لدى محكمــة الاستئناف حــول هــذه الواقعــة فيتم قبــول استئنافهم ورد القاضي عن نظر قضيتهم.

إذا فقد منع (القاضي) بما يملكه من علم ودراية، وترك (الفاضي) بكل ما فيه من جهل وطيش وحقد وضغينة ليستمع إلى شكاوى الناس ويقضي لهم بالباطل، ولكم أن تتصوروا (عندما يعتلي الفاضي المنصة) ما الذي يفعله، أنه يجعل من ميزان العدالة مائلا بالكامل تجاه كفة المدعي، أنه يدفعه بكل قوة إلى التمسك بأفكاره المغلوطة، أنه يحثه على عدم التراجع والإصرار على موقفه حتى وإن كان على خطأ، أنه يولد لدى المدعي حالة من السخط وحب الانتقام لينتقل بعد ذلك إلى مرحلة التشهير والإساءة لمن يعنيه، أنه يفتح باب الظلم على مصراعيه حين ينظر في الليلة مئات القضايا ويصدر أحكامه الفورية فيها ثم يخلد إلى فراشه وينام الساعة السابعة صباحاً!!
أعرف جيداً بأن ذلك (الفاضي) وهو لا يكاد يفارق عالمه الافتراضي بمواقع التواصل الاجتماعية (إلا ساعة النوم) هو آخر من يعلم بأن هناك نظاما اسمه (نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية) يهدف إلى حماية المصلحة والآداب والأخلاق العامة، وأنه يكفي ليتم إنزاله من المنصة التي يتربع عليها طوال الليل ومن ثم وضع الكلبشات في يديه وإدخاله في قفص الاتهام ومحاكمته، أن يتقدم أحد ببلاغ على حسابه، حينها تتولى الشرطة بالتعاون مع المباحث العامة وهيئة الاتصالات الكشف عن حقيقة حسابه (المتستر خلف اسم مستعار) وحالما تثبت الجريمة المعلوماتية بحقه، سيكون عرضة للجزاء النظامي المقدر بالسجن مدة سنة وغرامة خمسمائة ألف ريال، أو بهما معا، عندها لن يجد في سجنه من يمثل عليه دور القاضي وسيعود (كومبارس) أو بالكثير (صبي قهوة) يباشر على (كبير المساجين).