-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
الأمم المتقدمة تطورت بالإرادة والرؤية والتخطيط الاستراتيجي وثقافة العمل كخلايا نحل وفق منظومة محكمة رائعة، وشعوبها تقرن الأقوال بالأفعال وتدرك أن الكلام دون تطبيق كالطبل الأجوف، والسائد في حياتهم احترام الأنظمة والقوانين والحقوق والواجبات، ويخططون للخدمات والاحتياجات المستقبلية ويطورونها بسرعة، لذلك تضيق جدا مساحة الإهمال والتواءات الفساد لإدراكهم أن الحساب والعقوبة في الانتظار. كما نجحت الشعوب المتقدمة كثيرا في تكريس ثقافة الانضباط العام وقيم العمل فيبذلون وقته دون هدر ويؤدونه بإخلاص وإبداع وتطويع التقنيات الحديثة بالأحدث.
إن مجرد رصد إيجابيات تلك الثقافة سيقودنا تلقائيا إلى الواقع المغاير بكافة تناقضاته في مجتمعاتنا، من سلبية واستهتار وخلط الأوراق والأمور بين الخاص والعام، وما ذلك إلا حصاد غياب الدور التربوي للأسرة والمجتمع والمدرسة وتراجع القدوة، وتفكك تلك الحلقات وشيوع مفاهيم خربة عن الشطارة بالتحايل لمصالح ذاتية، وهذه ليست سمات متجذرة ولا جينات موروثة، فقد سادت أمتنا عندما أخلصت وابدعت وأنتجت وقدمت علوما وحضارة للبشرية، كما أن العقول والسواعد العربية المهاجرة في العالم المتطور سرعان ما تؤكد قدرتها واستجابتها وتسهم في كل منجز حضاري.
مشكلة مجتمعاتنا هي الكلام الاستهلاكي، بل إدمانه الذي لا يحول دونه حتى أحلام وكوابيس النوم، بينما الكلام الإيجابي المفيد الذي يقترن بالعمل هو من جوهر تعاليم ديننا السمح الحنيف لأنه يضيف للحياة قيمة تربوية وعملية ويسمو بالأخلاق الذاتية والعامة، وما أكثر الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وما أعظمها في إصلاح النفس والمجتمع والحياة عامة.
والكلام الأجوف والثرثرة آفة تجلب الآثام والشحناء والبغضاء، مثلما الفكر الضال يقود إلى الفساد والإفساد في الأرض وشواهد واقع الأمة اليوم ماثلة ودامية بالإرهاب الغادر. كما أن الكلام في غير موضعه ووقته وسوء مقصده بالغيبة والنميمة والإضرار بالناس يعرض العلاقات الاجتماعية للتمزق والتشوه، رغم إدراك الجميع أن الكلمة أمانة ومسؤولية سيحاسب عليها الإنسان (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) فكلمة طيبة تزيل البغضاء وكلمة خبيثة توغر الصدر وتشعل النيران، وهذا هو الداء وسبيل الدواء لبناء وتقويم النفس والصلاح العام. فأين مجتمعاتنا من سبيل الرشاد؟!
للأسف أمتنا ومجتمعاتنا تدرك جيدا سبب تقدم الأمم، ومع ذلك لا تجيد معظم مجالسنا سوى كلام (الحش) وغثاء العالم الافتراضي، ثم نشكو واقعنا ونأسف ونحزن على الحال الذي يسر العدو ويؤلم المحب.


ikutbi@kau.edu.sa