-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
تأملت حالات مرضية عديدة مررت بها، ومر بها الأهل والأصدقاء والأعزاء، فوجدتها تحتوى على النعم ما يخفى على الكثيرين، فماذا لو تدبر كل واحد منا حالة المرض التي يمر بها، أو يمر بها احد ممن حوله، فما من مخلوق على الأرض إلا وأصابه المرض، أو أصاب أحدا من ذويه.
وبعض الجهلاء منا يرون في مرض الإنسان نوعا من غضب الله تعالى عليه، وهذا جهل فاضح، فالأنبياء -صلوات الله تعالى وسلامه عليهم- قد مرضوا، فهل كان هذا غضبا من الله تعالى عليهم؟! هذا كلام لا يقوله مؤمن، بل لا يقوله عاقل.

ولكن ما هي النعم التي يمكن إحصاؤها من المرض؟
أولى هذه النعم أن المرض يقرب العبد من الله تعالى، فحتى المرء غير الملتزم دينيا في حياته، نراه يهرع إلى الله تعالى بالدعاء، إذا ما ألم به مرض، أيا كان نوع المرض وحجمه، أليس القرب من الله تعالى نعمة؟!
عندما يمرض المرء، ويذهب إلى مستشفى أو طبيب للعلاج، فيشاهد عشرات المرضى الآخرين، أطفالا وشيوخا، نراه يحمد الله تعالى أن كان مرضه اخف كثيرا من أمراض هؤلاء، ولا يسعه إلا أن يرد: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرا من خلقه، فالحمد في حد ذاته نعمة كبرى، قد يغفل عنها الكثيرون.
ويروى أن رجلا ابتلي ببعض الإصابات في يديه ورجليه وبصره، وكان لا يدع هذه الكلمات: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرا من خلقه، فلما سمعه بعض المارة قال له في غفلة: وماذا بقى لك يا مسكين؟! فقال المبتلى: الحمد لله الذي وهب لي قلبا يشكره، ولسانا يذكره. أليس شكر الله تعالى وذكره، وبقاء بعض أعضاء المرء سالمة ومعافاة، نعم كبرى، لم يظهرها إلا المرض؟!
والمرض ابتلاء من الله تعالى للمرء، تماما كالخير، «ونبلوكم بالشر والخير فتنة»، وفى كليهما نعمة كبرى ينبئنا بها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد الا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له»، فالصبر على المرض فيه خير للإنسان، أليست هذه نعمة بحق؟!
والمرض، يرفع الدرجات، ويحط السيئات -وهو نوع من الابتلاء- نوع من الحب الإلهى للعبد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم»، الحديث يطول وما أردت في هذا المقام إلا تذكير نفسي واخوانى بالمرض، بعدم القنوط من رحمة الله، وإدراك نعم الله تعالى علينا، التي لا تعد ولا تحصى، لا في حال الصحة وحسب، بل أيضا في حال المرض.
عافاني الله وإياكم، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة.