-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
لم استطع مقاومة التيار، وحجب انتقال عدوى الانترنت إلى أولادي الصغار منذ أن استشرى مرض الانترنت في مجتمعنا، حتى كدت لا أرى احدهم يفارق جهاز الكمبيوتر أو الجوال ساعة من نهار أو ليل. وكنت احسب أني الوحيد في هذه المعاناة، لكن ما إن اشتكي لصديق أو قريب حتى أفاجأ بأننا ــ معشر الآباء ــ كلنا في الهم سواء.
انه سوء استخدام لوسائل التكنولوجيا الحديثة، التي لم يكن لنا فضل في إيجادها أو تطويرها، وإنما لنا الفضل الأكبر ــ ولا فخر ــ في استيرادها، واستنزاف مواردنا، من اجل جلبها من الدول المنتجة لها، التي يزورها معظمنا، ولا نشاهد فيها تكالب الأطفال على الانترنت، والتصاقهم به، بل واعتمادهم عليه في كل صغيرة وكبيرة، حتى أصيبت عقول أطفالنا بالعطب والصدأ. نعم، قد يمدهم الانترنت بمعلومات وفيرة، لكنه في الوقت نفسه، يأتي بنتائج سلبية، حيث يفقدهم القدرة على البحث والإبداع، فالعقل البشري الذي هو صنيعة الخالق، كان وسيظل أكثر نفعا ومرونة وإبداعا من أي جهاز أصم. صنعة الخالق أكمل من صنعة المخلوق.

هذه الخواطر تدافعت بداخلي، وأنا اقرأ تحذيرا لدراسة طبية حديثة، حذرت من المخاطر التي يواجهها الأطفال ــ بل والشباب أيضا ــ من جراء التعرض لثقافة الانترنت. هذه الدراسة التي شملت نحو ألفي طفل وشاب تتراوح أعمارهم ما بين 11، 25 سنة، أجرتها جمعية «العقول الشابة» البريطانية الخيرية، عكست ما يعانيه هؤلاء من خوف من الفشل «وبلطجة» الزملاء واستقوائهم عليهم، ناهيك عن حالات الاكتئاب التي انتشرت بينهم على نحو واسع. لقد كشفت هذه الدراسة عن أن نصف الأطفال والشباب يعتقدون أنهم سيصبحون أشخاصا فاشلين إذا لم يحصلوا على درجات جيدة في المدرسة أو الجامعة، كما ابدى ثلث عينة الدراسة عجزهم وعدم معرفتهم لمن يلجأون إليه في حالة إحساسهم بالاكتئاب والقلق.
بالطبع، أنا لا أعادي الانترنت، ولا اقلل من أهميته، ولا أدعو لمقاطعته، لكني فقط أعارض الإسراف في اللجوء إليه، والاعتماد عليه، فقد شكا لي احد الأصدقاء ممن يعملون في سلك التدريس الجامعي، من أن كثيرا من الباحثين قد استغنى بالانترنت عن الكتاب، وهجروا المكتبات، مع أن كثيرا من معلومات هذه الشبكة قد لا يكون دقيقا تماما.
إنني عندما ابحث عن معلومة ما عن طريق الانترنت، سيقدمها هذا الاختراع لي جاهزة في ثوان معدودات، لكني عندما ابحث عن نفس المعلومة في كتاب ما، وانظر إلى فهرس الكتاب، ستقع عيني على عناوين لم أكن اقصدها، لكنها تفتح أمامي أبوابا أخرى من العلم والمعرفة.
فهل نستجيب لتحذيرات الدراسات العلمية ونوجه أطفالنا وشبابنا إلى حسن استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة ؟! آمل ذلك.