-A +A
غازي عبداللطيف جمجوم
يعتبر فحص المواليد الجدد للكشف عن الأمراض الوراثية التي يمكن السيطرة على مضاعفاتها وتجنيب المصابين بها إعاقات كبيرة من أهم برامج الخدمات الصحية في البلدان المتطورة، مثله في ذلك مثل برنامج التطعيمات بالنسبة للأمراض المعدية. تشمل الأمراض الوراثية عددا كبيرا من الأمراض، بعضها يؤدي إلى التخلف العقلي أو فقدان السمع أو البصر أو اعتلالات القلب الخلقية أو التشوهات الجسمية أو أمراض الدم أو الجهاز التنفسي أو الجهاز الهضمي أو غير ذلك من أجهزة الجسم. أدى التقدم الهائل في علم الوراثة إلى فهم الخلل الحاصل (الطفرات) في العوامل الوراثية (الجينات) الذي يؤدي إلى كثير من هذه الاعتلالات. بعض الطفرات يؤدي إلى عدم قدرة الجسم على صنع حمض أميني مهم أو فيتامين أو هورمون يحتاجها الجسم. البعض الآخر يؤدي إلى نقص في إنزيم أو خلل في بروتين أساسي مثل الهيموغلوبين الذي يحمل الأكسجين في كريات الدم الحمراء. الفهم المتعمق لآلية هذه الأمراض ساعد على اكتشاف طرق وقائية أو علاجية مختلفة لتجنبها أو لتفادي آثارها. في بعض الأمراض التي ليس لها علاج، مثل الأنيميا المنجلية والثلاسيميا، تعتمد الوقاية على فحوصات ما قبل الزواج لتفادي اقتران زوجين حاملين للمرض إن أمكن ذلك. وقد أدت برامج فحص ما قبل الزواج إلى خفض حدوث هذين المرضين في كثير من الدول بصورة كبيرة، كما أثبتت الدراسات في بلادنا حيث تم إدخال فحوصات ما قبل الزواج لتفادي هذين المرضين منذ عام 1418هـ ازدياد تقبل المجتمع لهذه الفحوصات والاستفادة منها. في أمراض أخرى كثيرة يعتمد العلاج على اكتشاف الخلل في الأطفال المولودين حديثا ويكون العلاج بواسطة حميات غذائية لتجنب مواد معينة أو نظام غذائي لإضافة مواد أخرى. وفي حالات ثالثة يتطلب الأمر تعويض الإنزيمات أو الهورمونات الناقصة. وعندما تتم مقارنة حالة أطفال تم اكتشافهم مبكرا وإخضاعهم للعلاج بغيرهم ممن فاتتهم فرصة العلاج إلى أن ظهرت عندهم إعاقات كبيرة دائمة يمكننا إدراك الأهمية الكبرى للاكتشاف المبكر وعلاج الاعتلالات الوراثية التي يتوفر لها العلاج. أتاح لي حضور ندوة عن الأمراض الوراثية عقدها مركز الأميرة الجوهرة البراهيم بجامعة الملك عبد العزيز مؤخرا فرصة الاستماع إلى عدد من الأبحاث والدراسات الحديثة في هذا المجال من عدة دول مختلفة. بدا من الواضح أن كثيرا من الدول قطعت شوطا كبيرا في مجال الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية بواسطة برامج وطنية لفحص المواليد الجدد. في الولايات المتحدة على سبيل المثال، يتم حاليا فحص كل المواليد الجدد للكشف عن ثلاثين مرضا وراثيا. وقد بدأت دولة قطر الشقيقة برنامجا وطنيا لفحص المواليد عن هذه الأمراض منذ عام 2003م. وتكتفي بعض الدول بفحص الأمراض الأكثر شيوعا لديها. جمع العينات في هذه البرامج يتم بسهولة بواسطة وخزة بسيطة في كعب المولود توضع بعدها نقاط من الدم على دوائر مرسومة على قطعة من ورق الترشيح السميك التي تجف ويمكن إرسالها بسهولة إلى مختبرات مركزية لفحصها بتقنيات متقدمة حديثة تتيح فحص ما يقرب من خمسين مرضا مختلفا خلال أيام قليلة. بالنسبة لنا تم إدخال فحص نقص إفراز الغدة الدرقية لجميع المواليد منذ عام 1989م وهو فحص مهم لتفادي الإعاقة التي يسببها نقص هذا الإفراز وعلاج المواليد المصابين بهرمون الغدة الدرقية الذي يتيح لهم بمشيئة الله نموا طبيعيا. وقد أثبت هذا الفحص نجاحه وجدواه في منع الإعاقة بهذا المرض. ومنذ عام 2005م تم فحص عدد كبير من الأطفال لـ 16 مرضا وراثيا في دراسة مشتركة بين وزارة الصحة ومركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة ومستشفى الملك فيصل التخصصي كنواة لبرنامج وطني شامل. كما أن بعض المستشفيات الكبيرة الحكومية والخاصة ومراكز البحوث الطبية وبعض الأطباء يقومون بفحص مرضاهم بمجهودات فردية غير منسقة.. ولاشك أن البحوث العلمية على الأمراض الوراثية شهدت تطورا كبيرا في بلادنا في السنوات الأخيرة حيث تم اكتشاف العديد من الأمراض الوراثية الجديدة التي لم توصف من قبل وتحديد نسبة حدوثها. هذه البحوث والدراسات أثبتت انتشار بعض الأمراض الوراثية بنسب تفوق نسب انتشاره في كثير من الدول الأخرى لأسباب من أهمها زواج الأقارب. لذا فإن الوقت قد حان لتطبيق برنامج وطني متكامل للكشف عن الأمراض الوراثية الشائعة بصورة روتينية بين كل المواليد الجدد في جميع أنحاء المملكة مع تنظيم طريقة علاجهم ومتابعة نموهم. من واجبنا التوسع في حماية أطفالنا بمشيئة الله من أمراض الإعاقة الوراثية التي أصبح الكشف عنها وعلاجها متاحا.


للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة